الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

يوم أضعت ظلي في الجونة بدون صنّاعه!



أثيرت، بالتزامن مع انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الجونة، قضية عدم حصول فريق عمل فيلم يوم أضعت ظلي على تأشيرات دخول إلى مصر رغم مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية و توجيه الدعوات أصولاً إلى فريق العمل و هم سوريون يقيمون خارج سوريا. كما لم يساهم حصول الفيلم على جائزة أسد المستقبل في مهرجان فينيسيا أو مشاركته في مهرجان تورنتو و حصول صنّاعه على تأشيرات دخول لكندا بتسهيل دخولهم إلى مصر التي فرضت تأشيرات دخول، مصحوبة بموافقات أمنية، على السوريين منذ عام 2013  لتزيد بذلك طين السوريين بلّة و لتضيف لمعاناتهم اليومية معاناة جديدة خاصة بالنسبة لأولئك اللذين لهم أقارب أو عائلات أو أصدقاء يعيشون في أم الدنيا، و أنا واحد منهم، فرغم السنوات الخمس التي عشتها في القاهرة و رغم تخرجي من معهد السينما هناك إلا أن حصولي على تأشيرة دخول لم يعد أمراً يسيراً على الإطلاق فهذه عملية معقدة لا تحكمها معايير واضحة بل إنها في الغالب الأعم ترتهن لأمزجة المسؤولين لتصبح في النتيجة ضربة حظ قد تصيب و قد تخيب و من البديهي أن هذا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين – السوريين و أبرز مثال على ذلك الناقد الراحل بشار ابراهيم الذي لم يتمكن من حضور فعاليات مهرجان القاهرة سنة 2016 لرفض طلب التأشيرة رغم مكانته الكبيرة في مجال النقد السينمائي العربي!
كتب بعض النقاد و الصحافيين اللذين شاهدوا الفيلم في الجونة انطباعات أولية تشير بمجملها إلى أن الفيلم لم يكن على مستوى التوقعات من الناحية الفنية و السينمائية و اعتبر بعضهم حصوله على جائزة فينيسيا نوعاً من المحاباة السياسية لأنه كما يتضح من تلك الكتابات يتنبى أو يميل لموقق المعارضة و المفارقة أن بعض اللذين كتبوا ذلك و بينهم نقَّاد مرموقون لم يكتبوا شيئاً عن منع صنَّاع الفيلم من الحضور و كأن محتوى الفيلم الذي لا يتناسب مع آرائهم مبرر مقنع لمنع فريق العمل من القدوم و بالتالي لا يمكن قراءة صمتهم هذا إلا بكونه قبولاً بإقصاء سينمائيين سوريين و التضييق عليهم في المهرجانات العربية و مشكلة هذا المنطق أنه يشبه منطق اللذين عملوا على استبعاد فيلم رجل و ثلاثة أيام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما من مهرجان معهد العالم العربي في باريس متناسين أن الرد على رؤية أفلام قد لا يتفق البعض معها لا تكون عبر المنع سواء منع الفيلم من العرض و المشاركة أو منع فريق العمل من حضور المهرجان إنما تتم بطرق مختلفة كإنجاز أفلام تعبّر عن رؤى مغايرة و هذا سبق و أن حدث في السينما السورية من خلال أفلام تناولت الحياة في حمص خلال السنوات الأولى للحرب أو عن طريق الكتابات النقدية التي تحلل البناء و العناصر الدرامية و تشير لعلاقتها بالظرف الجغرافي و التاريخي خاصة حين تدور الأحداث ضمن سياق شديد الصلة بالزمان و المكان
الثابت أن المهرجان لا تقام لغاية العرض فقط بل هي فرصة للتلاقي و الاحتكاك بالنقًّاد و بالجمهور و بصنَّاع السينما و بالمحطات التلفزيونية و بالأسواق و المنصات السينمائية العالمية و هذا بحدّ ذاته لا يقل أهمية عن عرض الفيلم و رغم أن ظاهرة منع أفلام سورية من المشاركة في المهرجانات ظاهرة قديمة بدأت في 2011 و بلغت ذروتها مع منع أفلام المؤسسة العامة للسينما من المشاركة في دبي و القاهرة و منع أفلام أنجزها سوريون يقيمون في الخارج في المهرجانات العربية و لو بنسبة أقل فإن تعذر حصول صنَّاع فيلم يوم أضعت ظلي على تأشيرة دخول و بالتالي فقدانهم إمكانية حضور في الجونة يدفع بهذه القضية إلى الواجهة من جديد و يوفر فرصة لتكاتف السينمائيين في وجه منع أي فيلم سوري على اختلاف التوجهات و الرؤى من المشاركة و الحضور في المهرجانات العربية و الدولية أو منع صنَّاعه من التواجد في المهرجان فالقضية هنا ليست قضية يوم أضعت ظلي أو غيره من الأفلام بل هي قضية عامة عانى من تبعاتها كل السينمائيين السوريين في الآونة الأخيرة و هي تستهدف السينما السورية بمجملها لأنها تحدّ من قدرتها على الانتشار و نقل صور أخرى لسوريا عبر اللغة السينمائية و الرؤى الفنية الراقية بعيداً عن الصور التي تبثها نشرات الأخبار على هواها و وفق أجنداتها المعدة سلفاً و تحدّ في حالة يوم أضعت ظلي من قدرة السينمائيين على التواصل و الاحتكاك المباشر مع الجمهور العربي و رصد ردود الأفعال في العرض الأول في الشرق الأوسط فضلاً عن التواصل مع مديري المهرجانات و المنتجين و الموزعين العرب المتواجدين في مهرجان نجح بتحقيق ما يُراد له من تميّز و توهج على صعيد المهرجانات العربية و العالمية

عمرو علي
2018 / 9 / 25

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق