الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

تلفزيون لنا: إنجاز كبير و لكن؟




 



كان و لا يزال إطلاق فضائيات سورية جديدة مطلباً اجتماعياً و اقتصادياً في آن، خاصة و نحن على عتبة مرحلة إعادة الإعمار و استقطاب الفعاليات الإقتصادية و جذب الاستثمارات الإقليمية و العربية. في هذا السياق، يأتي تلفزيون لنا كاستجابة لإلحاح طويل من قبل العاملين بالدراما السورية لإنشاء سوق محلي قادر على شراء  المسلسلات السورية التي تحاصرها الفضائيات العربية، و سواء كان سبب هذا الحصار يعود لرداءة إنتاجاتنا من الناحية الفنية و عدم قدرتها على منافسة الدرامات العربية، أم يعود لقرار سياسي يهدف لحصار المنتجين السوريين و مقاطعتهم، فلا شك أن إطلاق تلفزيون لنا عزز الأمل لدينا جميعاً بإمكانية إنشاء فضائيات محلية تغنينا عن الحاجة للفضائيات العربية على غرار التجربة المصرية. و لكن الملفت مع بدء عرض البرامج الأولى لهذه المحطة مثل خبار و سرار و في أمل هو الفقر و ضيق الأفق في التعامل مع الشكل البصري للبرامج و للقناة عموماً، فبرنامج خبار و سرار يعتمد على مقدّم و مقدّمة يقفان قبالة الكاميرا و يقدّمان نشرتهما الفنية و كأنها نشرة أخبار بلغة عربية فصحى، و لكن بلكنة لبنانية هذه المرة، مع عرض لماتيريال يتعلق بالخبر أو الحدث و هو غالباً مسحوب من الإنترنت، دون أن يبذل معدّوا البرنامج جهداً في إجراء ريبورتاجات ميدانية عن المسلسلات التي يتم تصويرها أو لقاءات مع شخصيات  يرد الحديث عنها أو حتى إجراء مكالمات تلفونية على الهواء مع هذه الشخصيات، هذا عدا عن ثبات الكاميرا و اعتماد مخرج البرنامج على زاويتين أو ثلاث دون أن يفكر بحلول إبداعية تساهم  بتحسين الصورة و ترتقي بطريقة الإخراج ليصبح قادراً على مجاراة غيره من البرامج الشبيهة سواء التي تعرض على الفضائيات العربية أو حتى تلك التي ينجزها يوتيوبرز ليعرضونها عبر اليوتيوب! و بالتالي فإن أي المقارنة قد نجريها بين برنامجنا هذا و ما يشبهه من برامج سرعان ما ستصيبنا بالإحباط و الخيبة من عدم إمكانية إنجازنا لبرامج مبتكرة و متطورة قادرة على المنافسة. و الغريب أن الفضائية الوليدة تتبع للقطاع الخاص و بالتالي فإنها مستقلة مادية و بعيدة عن البيروقراطية و التعقيدات الإدارية التي نبرر من خلالها للفضائيات الرسمية ضعف مستواها الفني و هذا ما يجعل انتقاداتنا للفضائية الخاصة أقسى من انتقادنا للفضائيات الرسمية فلا مبررات مقنعة لتمرير و قبول هذا الضعف سوى عدم اعتماد القائمين على المحطة على كفاءات جديرة بتقديم هوية بصرية متطورة تناسب عصرنا رغم أن كل العاملين في برامج المحطة حتى الآن هم من اللبنانيين اللذين ربما ارتأى بعض مديري المحطة بأنهم أقدر على تقديم إعلام معاصر و متطور و لكننا لم نشهد ما يثبت ذلك على الشاشة حتى الآن؟
و ما نقوله عن ضعف الشكل و الهوية البصرية ينسحب أيضاً على برنامج النجمة أمل عرفة و الذي عُرِضَت حلقته الأولى ليلة أمس و استضافت الفنانة القديرة منى واصف و أبرز ملامح ذلك هو فقر الديكور و عدم وجود جمهور يتفاعل مع الأسئلة أو الضيف و قلة عدد زوايا الكاميرات و بالتالي سيطرة حالة من الركود على الحلقة و إن كان من المبكر الحكم على مضمون البرنامج من حلقته الأولى فنحن لم نعرف بعد ما إن كان مجرد دردشة خفيفة مع الضيف على الطريقة اللبنانية أم محاولة لإلقاء الضوء على قضايا جادة تهمنا و تهم التاريخ على طريقتنا، فإن ما يلفت الانتباه هو إعادة الحديث في مواضيع سبق تناولها في منابر إعلامية كثيرة كالحديث عن فيلم الرسالة و التعامل مع الممثلين الأجانب أو حتى طقوس حياة ضيفتنا اليومية و الغريب أن أحداً من معدّي البرنامج لم يكلّف نفسه عناء البحث في جوانب معتم عليها في تجربة منى واصف كالحديث عن السينما السورية مثلاً، خاصة و أنها عملت بطولة أكثر من فيلم سينمائي كذكرى ليلة حب و قتل عن طريق التسلسل  أو الحديث عن زوجها المخرج الراحل محمد شاهين و هو أغزر مخرجي السينما السورية إنتاجاً و لم يسبق لأحد أن قارب تجربته الرائدة و الغنية لا من بعيد و لا من قريب إلا لماماً، و الحقيقة أن ذلك كان أجدى من الأسئلة التي تتعلق بكيفية التعامل مع غيرة الممثلات من بعضهن و هو أمر لا يهم سوى قلة قليلة!
من المؤسف أن أي انتقاد قد نوجهه لإعلامنا المحلي صار يواجه باتهامات بوضع العصي بالعجلات أو الرغبة بإفشال التجارب الجديدة و هذا أمر تبتعد عنه هذه المقالة بعد الأرض عن السماء فسعادتنا بفضائية سورية جديدة لا تضاهيها سعادة و لكنها تبقى سعادة ناقصة ما دام المستوى الفني لا يليق بحجم آمالنا و تطلعاتنا و من المؤكد أن الوقت ما يزال متاحاً للبحث عن هوية بصرية أكثر تطوراً و جمالاً و تأثيراً.




عمرو علي
2018 / 9 / 14

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق