الجمعة، 5 أكتوبر 2018

هل يصبح المسلسل التلفزيوني فيلماً سينمائياً حقيقياً؟



يشارك في مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط هذا العام الفيلم السوري روز من تأليف حازم سليمان و إخراج رشا شربتجي و إنتاج شركة إيمار الشام و الفيلم مبني، حسب تصريحات منسوبة لصنّاعه و منتجيه، على أحد الخطوط الرئيسية في المسلسل التلفزيوني شوق و تحديداً الشخصية التي قامت بأدائها الفنانة سوزان نجم الدين و قد ذكر بعض الصحافيين أن الفيلم يعدّ التجربة السورية الأولى في تحويل مسلسل إلى فيلم سينمائي متناسين، بقصد أو دون قصد، أن علاقة الدراما السورية بالسينما علاقة قديمة تعود إلى ما قبل عقدين من الزمن و قد شكّلت، و ما تزال، ظاهرة لم تشهدها أيّة صناعة تلفزيونية عربية أخرى.
يتفق معظم الباحثون على أن صناعة السينما السورية لفظت أنفاسها الأخيرة منذ مطلع التسعينيات بالتزامن مع انتشار الفضائيات العربية و تطور الدراما المحلية و انقطاع الجمهور عن ارتياد الصالات و هو ما أدى لانخفاض كمية الإنتاج و توقف كبار المنتجين عن العمل إلا أنه رغم قتامة المشهد السينمائي آنذاك تمَّ إنتاج أفلام مثل سواقة التكسي، سحاب، و المرابي و لكنها لم تحقق نجاحاً جماهيرياً يُذكَر كما حاولت النجمة إغراء، في ذلك الوقت، إعادة جمهورها إلى السينما فأخرجت و أنتجت فيلمها الأخير أسرار النساء سنة 1994 و لم يُعرَض، كما ذكرت في حوار شخصي معها، إلا بشق الأنفس بعد سجال طويل مع الرقابة ليمسي خاتمة رحلة القطاع الخاص التي انتهت بإغلاق صالات و تحّول أخرى لمراتع للمتسكعين و راحت الأعين، منذ ذلك الحين، ترنو إلى شاشات التلفزيون حتى نسي الكثيرون أنه كان ثمّة صناعة اسمها: صناعة السينما!
تطورت الدراما السورية بفعل عدة عوامل أبرزها الخروج إلى المواقع الطبيعية و التصوير بكاميرا واحدة، أي استخدام اللغة السينمائية في صناعة المسلسل، و قد التقى هذا التطور مع حماسة النجم أيمن زيدان و المخرج باسل الخطيب لإنجاز فيلم سينمائي و شهد مهرجان الإسكندرية سنة 2000 عرض فيلم الرسالة الأخيرة الذي تمَّ إنجازه خلال تصوير مسلسل الطويبي 1998 في مواقع التصوير نفسها و هو من تأليف قمر الزمان علوش عن رواية أطياف العرش لنبيل سليمان و ذكر الأستاذ أيمن زيدان، خلال حوار شخصي معه، أنه تم تصوير الفيلم بكاميرا 16 ملم و إنجاز العمليات الفنية في إستديوهات سكلافيس في اليونان رغم أن الفيلم، في الحقيقة، إعادة لقصة المسلسل بالاعتماد على فريق العمل نفسه من كاتب سيناريو و ممثلين و فنيين و يبدو أنه لم تتم الموافقة على عرض الفيلم في سوريا، كما لم يُسمَح بعرض المسلسل على القنوات المحلية، للتشابه الكبير، كما قيل، بين سيرة سلمان المرشد و قصة البطل طاهر الطويبي الذي يبدأ حياته بمقاومة الفرنسيين و ينتهي به المطاف إلى قيادة تمرد على حكومة الاستقلال مأخوذاً بهاجس تحقيق العدالة الكاملة قبل أن يكتشف أنها مستحيلة المنال و رغم أن هذه التجربة مهدّت الطريق لما قد يبتعها من تجارب مُنتَظرة إلا أن أحداً من المنتجين لم يمضِ في هذا الاتجاه باستنثاء شركة سورية الدولية التي عملت على تحويل مسلسل أحلام كبيرة 2004 من تأليف أمل حنا و إخراج حاتم علي إلى فيلم روائي طويل بعنوان العشّاق تمَّ تصويره بكاميرا الديجيتال خلال فترة شهدت خلالها هذه التقنية تطوراً ملحوظاً مع بدأ استخدامها عالمياً بتصوير بعض الأفلام و عربياً بتصوير أفلام مستقلة و قد صرّح صنَّاع هذا الفيلم بأنه اختبار لإمكانية استخدام كاميرا الديجيتال في تصوير أفلام مخصصة للعرض السينمائي و تم تحويل الفيلم من شريط ديجيتال إلى شريط 35 ملم في إستديوهات تركيا و عُرِضَ جماهيرياً في صالتيّ الزهراء بدمشق و حلب سنة 2008 بعد ثلاث سنوات على إنجازه، و كحال الرسالة الأخيرة، يعيد العشَّاق تقديم قصّة المسلسل بعد الاستغناء عن بعض الشخصيات و الخطوط الدرامية و استبدال ممثلين بممثلين آخرين و تصوير مشاهد خاصة بالفيلم لم يسبق عرضها في المسلسل و قد سمعت خلال أحد العروض بعض المشاهدين و هم يتنبؤون بالأحداث القادمة كما استهجن بعضهم تغيير الممثلين و لم يخفِ آخرون خيبتهم من الفيلم الذي يعيد تقديم حكاية سبق و أن شاهدوها على التلفزيون و مع ذلك أثبتت التجربة عطش الجمهور لاستعادة طقس مشاهدة فيلم سوري في الصالة و حققت جزءً من هدفها المُعلَن و هو توريط القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي إذ سرعان ما ساهمت الشركة نفسها بإنتاج فيلم مرة أخرى من تأليف و إخراج جود سعيد 2009 بالشراكة مع مؤسسة السينما لا سيما أن الظروف، آنذاك، كانت مهيأة لإنعاش صناعة السينما الغائبة.
يجد فيلم روز اليوم نفسه، كحال الفيلمين السابقين، في مواجهة سؤال عن إمكانية تحويل مسلسل تلفزيوني إلى فيلم سينمائي حقيقي يكسب رهان الخروج من عباءة المسلسل الأصل ليصبح فيلماً مستقلاً، مؤثراً، و جديداً على مستوى الشكل و المضمون و الحقيقة أن النجاح في هكذا رهان غاية في الصعوبة و مردُ ذلك الفارق الموضوعي بين طبيعة الوسيط السينمائي و التلفزيوني فهامش التجريب في التلفزيون لدينا لا يزال ضيّقاً و محدوداً بحجة أن المسلسل يفرض شكلاً معيّناً من السرد و أسلوب الإخراج و المونتاج و بالنتيجة أصبح شكل المسلسل عندنا، في الغالب الأعم، قديماً و ممجوجاً يعتمد على الحوار و يُهمل القدرة التعبيرية للصورة و يرتكز على طريقة السرد التقليدي رغم أن الدرامات العربية الأخرى تجاوزت ذلك و ارتقت بإنتاجاتها إلى مستويات أكثر جمالاً و إبداعاً كما أن الرقابة لا تزال أكثر تشدداً اتجاه الدراما التلفزيونية لكونها تدخل كل البيوت و هذا يحدّ من قدرة المسلسل على طرح قضايا إشكالية و عميقة تطلع إليها السينما الجادة و الهامة دوماً و بالمحصلة يرث الفيلم عن المسلسل كل تلك الأعباء و يفقد طزاجته و دهشته و يأتي مقيّداً بشروط الإنتاج التلفزيوني و رغم النوايا الطيّبة التي وقفت وراء التجارب السابقة، و تقف اليوم وراء فيلم روز، و رغم ما حققته تلك الأفلام من حراك و مزاج سينمائي كنا، و لا نزال، في أمس الحاجة إليه إلا أن الأجدى اليوم، ما دام الطموح السينمائي حاضراً في أذهان بعض المنتجين، هو إنتاج أفلام سينمائية بمعايير حقيقية تُصنع للشاشة الكبيرة بما تفرضه من قضايا ملّحة و لغة سينمائية بليغة.


عمرو علي
2018 / 10 / 6

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق