الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

عن التلفزيون و الكتابة الدرامية!




صدر ضمن سلسة (مسارات) عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كتاب (التلفزيون و الكتابة الدرامية) للباحث عماد نداف و فيه يستكمل بحثاً بدأه في 1994 عبر مؤلفه الأول (الدراما التلفزيونية - من السيناريو إلى الإخراج: التجربة السورية نموذجاً) و الذي يخصّص كاتبه هنا صفحات كتابه الجديد للحديث عن الكتابة الدرامية التلفزيونية في سوريا منذ نشأتها الأولى بالتزامن مع تأسيس التلفزيون العربي السوري سنة 1960 وصولاً إلى سنة 2010 في ذروة ازدهار صناعة الدراما السورية و الحقيقة أن الجهد المبذول في هذا البحث النقدي - التوثيقي هو جزء هام من جهود نادرة و شحيحة بالأصل سعت لتناول الدراما التلفزيونية السورية بالنقد و التحليل و المراجعة فرغم ازدهار هذه الصناعة و تطورها قلما وجدنا أبحاثاً تناولتها بجدّية و اهتمام يوازي قيمتها الفنية و الاجتماعية مع وجود استثناءات قليلة في هذا الصدد أهمها (بين السينما و التلفزيون، هيثم حقي، دار الجندي 1998) و (نقد الدراما التلفزيونية، ماهر منصور، دار التكوين 2018) و بعض مقالات مجلة (فنون) و غيرها المنشور على الإنترنت.
وضع كاتبنا بحثه على سكة واضحة المعالم دون أن يستسلم لإغراء الكتابة عن مواضيع تبدو أكثر جاذبية ككواليس الممثلين أو المخرجين أو مشكلات لإنتاج و التوزيع و إن تطرق لهذه القضايا عبر إشارات بسيطة أوردها هنا أو هناك و لكنه في المحصلة كرّس الجهد كله لملاحقة الكتابة الدرامية التلفزيونية و ربطها بالسياق السياسي و الإجتماعي و توصيف علاقتها مع أنواع الكتابة الإبداعية الأخرى ككتابة التمثيليات الإذاعية و المسرح و السيناريو السينمائي و القصّة و الرواية و يصل في الجزء الأول من الكتاب و الذي يتناول السنوات الأولى لتأسيس التلفزيون لنتيجة مفادها غياب الأسس العلمية لهذا النوع من الكتابة و اعتماده على الفطرة و الهواية و على كتّاب التمثيليات الإذاعية و في مقدمتهم الراحل الكبير حكمت محسن الذي حقق مسلسله (مذكرات حرامي، 1968) نجاحاً كبيراً و على غيره مثل خالد حمدي صاحب تمثيلية (عواء الذئب، 1974) و عدنان حبال كاتب مسلسل (زقاق المايلة، 1972) و يرى الباحث أن غزارة الكتابة للتلفزيون عند الإذاعيين تعود لسببين: الأول هو لتردد الأدباء في كتابة سيناريو تلفزيوني رغم أن بعضهم كتب في البدايات أعمالاً مثل: (المنحوس منحوس، 1965) لعادل أبو شنب و (وجهاً لوجه، 1968) لعبد العزيز هلال  و (حكايا الليل، 1968) لمحمد الماغوط و سرعان ما سيرجع بعض هؤلاء الأدباء للتلفزيون بعد انتشاره و تعاظم دوره و أبرزهم عبد العزيز هلال الذي سيكتب لاحقاً (أسعد الوراق، 1975) و (الأجنحة، 1983) و هما من أشهر المسلسلات السورية، و السبب الثاني هو انكفاء السينمائيين و ترفعهم عن الكتابة للتلفزيون و هذا أمر مستمر إلى يومنا هذا مع وجود استثناءات قليلة أبرزها حسن سامي يوسف و هو روائي و كاتب سيناريو سينمائي تحول إلى الكتابة التلفزيونية في الثمانينيات، و يستند الكاتب في توثيق هذه المرحلة المبكرة لعدد من الشهادات و المقابلات المنشورة أو الشخصية مع الرواد مثل: صبّاح قباني، تيسير السعدي، خلدون المالح، علاء الدين كوكش، رياض دياربكرلي و سهيل الصغير.
يتناول الجزء الثاني الكتابة التلفزيونية في ظل فورة الإنتاج مع ظهور الفضائيات العربية و الإنتاجات المشتركة مع التلفزيون السوري و مساهمة القطاع الخاص في الإنتاج و يؤخذ على البحث هنا المرور سريعاً على هذه الحقبة رغم أهميتها و غزارة إنتاجاتها كما تحتوي الجداول و القوائم التي أوردها الكاتب بعض المغالطات مثل اعتبار بعض السباعيات و السهرات مسلسلات كاملة و نسب مسلسلات لمخرجين و كتّاب غير كتّابها و مخرجيها الحقيقيين و هذا أمر يمكن تفاديه بالرجوع إلى المواقع المختصة بأرشفة المسلسلات السورية و العربية و هي كثيرة، و يعتبر الكاتب أن الفورة الإنتاجية أدت لتحول الكتابة التلفزيونية من عمل إبداعي يرتبط بهموم و قضايا الناس إلى كتابة من أجل التوزيع و التسويق لملأ ساعات البث التي لا تنتهي و هو ما أدى بالتالي إلى الخضوع لمتطلبات السوق العربي و  يسوق أدلة على ذلك أبرزها المسلسلات البدوية التي انتعشت في أواخر الثمانينيات و بداية التسعينينات و أعمال الفانتازيا التاريخية في وقت لاحق و يصّنف الباحث في هذا الجزء الأعمال حسب أنواعها من اجتماعي إلى كوميدي و تاريخي و فانتازي و رغم الإشارة لاختلاف وظيفة الكتابة فإنه يتناول أعمالاً مثل (هجرة القلوب)، (الخشخاش)، (حي المزار)، (أمانة في أعناقكم)، (نساء صغيرات)، (الفصول الأربعة)، (رسائل الحب و الحرب) و (أهل الغرام) كأمثلة عن تطور علاقة الكتابة التلفزيونية بالقضايا السياسية و الاجتماعية و الإنسانية كما يشير لبعض تجارب الأدباء والروائيين في الكتابة خلال هذه الفترة مثل ممدوح عدوان و عبد النبي حجازي دون أن يفرد لهذه النقطة مساحة كبيرة رغم انتعاشها النسبي خلال العقدين الأخيرين سواء من خلال التأليف المباشر من قبل الروائيين أنفسهم مثل خيري الذهبي (حسيبة) و حسن سامي يوسف (الغفران) أو الاقتباس كما هو الحال في سيناريوهات مأخوذة عن روايات حنّا مينة (نهاية رجل شجاع)، نبيل سليمان (الطويبي)، ألفة الإدلبي (بسمة الحزن) و عبد الرحمن منيف (الشريد) و رغم الهنّات البسيطة التي سبقت الإشارة إليها فإن الكتاب يشكّل محطة هامة على طريق نقد و تحليل و توثيق الدراما التلفزيونية السورية و هو بلا شكّ مرجع هام و أساسي للباحثين و المهتمين بالدراما السورية التي تفتقد إلى المواكبة النقدية و التوثيقية و تعاني من إحجام النقّاد و الباحثين عن الكتابة عنها باعتبارها في نظر بعضهم صناعة 
!تجارية لا تستأهل البحث و الدراسة

عمرو علي
8 / 8 / 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق