السبت، 22 سبتمبر 2018

مزرعة الأبقار: نواة فيلم تسجيلي من رحم الحرب!




شاهدت خلال دورة قرطاج الأخيرة الفيلم التسجيلي الطويل مزرعة الأبقار لعلي الشيخ خضر، و هو واحد من ثلاثة أفلام سورية مشاركة في مسابقة الأفلام التسجيلية، و علي الشيخ خضر سينمائي سوري مستقل سبق له العمل كمونتير و مدير للتصوير في أفلام قصيرة مستقلة قبل أن ينجز فيلمه التسجيلي الأول مزرعة الأبقار الذي يلج إلى عالم الشاب القروي حسن العامل في تربية الأبقار بمزرعته الخاصة في مدينة السلمية. يرافق الفيلم بطله بين أعوام 2010 و 2014 فالمخرج الذي قرر سنة 2010 إنجاز فيلم تسجيلي عن أهله و مدينته سرعان ما يتورط مع اندلاع الأحداث في سوريا برغبة توثيق انعكاس الأحداث على شاب قروي نأى بنفسه عن صراعات المدينة و اعتكف في مزرعته منذ زمن. جاء الفيلم على هيئة حوارات طويلة مع حسن الذي تصّدر الشاشة طيلة زمن الفيلم تقريباً و هو يتحدث عن أحلامه و آماله و مواقفه السياسية و مفادها أن الدولة هي الضامن الوحيد لأمن البلد، و مع تطور الأحداث الأمنية آنذاك يُعتَقل حسن و يتعرض للتعذيب و ينتهي به المطاف إلى التجنيد في الجيش السوري و ينتهي الفيلم مع وصول نبأ استشهاده إلى المخرج الذي غادر سوريا متجهاً إلى مصر كخطوة على درب الوصول إلى أوروبا.

يقول حسن للمخرج - الكاميرا قبل التحاقه بالخدمة العسكرية: صورني.. يمكن هي أخر مرة تشوفني! ثم يرفع يده ملّوحاً للمخرج و للكاميرا و للمشاهدين و كأنه كان يدرك، في تلك اللحظة، أنه ذاهب إلى موت محتم و قد تحول الفيلم بذلك إلى مرثية طويلة لشاب كانت له أحلام و آمال طبيعية لكن مصيره سرعان ما آل إلى نهاية غير متوقعة فرضتها الحرب التي داهمت حياتنا فجأة و في اعتقادي أن المخرج حاول السير على خطا عمر أميرالاي في فيلمه الشهير الطوفان الذي اعتمد على تسجيل حوارات مع شخصيات تقول عكس ما يريد المخرج قوله و قد استطاع أميرالاي، عن طريق الشكل الفني و استخدام لغة سينمائية مرتبطة بالمضمون و مليئة بقيم جمالية معبّرة، أن يحقق تلك المفارقة و يجعلنا نشاركه في موقفه من الأفكار التي ترددها شخصيات فيلمه و ذلك لم يكن ممكناً لولا تسخيره لعناصر لغته السينمائية كافة في صناعة الفيلم فالإضاءة الصوت و المونتاج خلقا جواً عاماً و إيقاعاً ساهم بتسجيل اللقطات وفق نبض و إحساس المخرج أما المشكلة الأساسية في فيلمنا هنا فتكمن في العجز عن تحقيق تواصل مع الجمهور بسبب ضعف اللغة السينمائية و التطويل الذي ليس له داع فقد استفاض الفيلم كثيراً في نقل الحوارات مع حسن من زاوية تصوير واحدة، طيلة الوقت، بكاميرا فيديو متوسطة الجودة (و الشروط التقنية شيء يمكن إغفاله في الفيلم التسجيلي) و هو ما أدى لخروج أكثر من نصف الجمهور من الصالة خلال أول ربع ساعة مما اضطر المخرج لمطالبة الباقين بعد العرض بإعطاءه فرصة للدفاع عن الفيلم رغم أن مهرجان قرطاج لا يعقد عادة ندوات بعد العرض و بحسب الناقد بشار ابراهيم ترتبط مشكلة الفيلم الرئيسية بالمونتاج لأن مخرجه افتقد لشجاعة الحذف و الاستغناء عن الأزمنة الإضافية و بالتالي جاء فيلمه مثخناً بزمن إضافي كان من الأجدى حذفه للمحافظة على إيقاع رشيق و درجة أكبر من التواصل مع الجمهور كما لفتت مقالة علا الشيخ في جريدة الحياة إلى أن الفيلم لا يكشف عن موقف سياسي واضح لصانعه بقدر ما يفسح المجال للتأويل و هذه نقطة تتطلب المراجعة فتعليق المخرج في مشهد النهاية يقول بأن المسؤولين في الجيش زجوا بحسن و برفاقه في موقع اشتباك متقدم مع المجموعات المسلحة أي أن بطلنا قد دُفِعَ دفعاً إلى الموت رغم أنه التحق بالجيش طواعية لقناعته بأنه ذاهب للدفاع عن بلده و في حوار شخصي مع المخرج محمد ملص رأى أن مزرعة الأبقار نواة فيلم تسجيلي فقد جزءً كبيراً من أهميته و تأثيره لأنه في حاجة ماسة لبناء جديد يعتمد على التكثيف و الاختزال.

عمرو علي
2017 / 2 / 18

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق