الأربعاء، 22 فبراير 2017

4 أشهر.. ثلاثة أسابيع و يومان!




شاهدت هذا الفيلم الروماني الشهير قبل الانتساب للمعهد ثم شاهدته مجدداً خلال عروض مقرر التذوق السينمائي أثناء الدراسة حيث كان واحداً من أفلام كثيرة أخضعنا عناصرها الفنية بإشراف مها الشناوي لتحليل شامل انطلق من الفكرة و مر ببناء السيناريو و تحليل الشخصيات و درامية الصوت و التصوير و وصل لإدارة الممثل و نوعية الألوان و كل ما يدخل في صلب عملية الإخراج.

 وصلت بوخارست قبل أيام قليلة لتصوير مسلسل تلفزيوني يخرجه والدي و الحقيقة أن روح تشاوشيسكو الذي حكم هذه البلد باسم الشيوعية لسنوات ما تزال تطغى على الجو العام الأميل للكآبة و الركود رغم الانفتاح على الغرب منذ التسعينيات و الدخول في الاتحاد الأوروبي سنة 2007.
 تقع أحداث فيلم كريسيتيان مونجيو خلال فترة حكم تشاوشيسكو (أواخر الثمانينيات) و تدور حكايته حول رحلة فتاة جامعية تساعد صديقتها على إجراء عملية إجهاض لجنين غير شرعي في ظل منع عمليات الإجهاض و يتابع الفيلم رحلة الفتاة التي تعثر بصعوبة على غرفة في فندق ثم تتفق مع طبيب مختص بإجراء هذه العمليات على أجر معين لقاء خدمته لكنه سرعان ما يرفض الثمن المتفق عليه و يساوم الفتاتين بدناءة إلى أن يظفر بجسديهما بعملية مقايضة تكشف ما وصل إليه المجتمع من جشع و استغلال و قلة إنسانية و لأن الفتاة مرتبطة بموعد مع صديقها في منزله بسبب مناسبة عيد ميلاد فإنها تقرر ترك صديقتها و الذهاب إلى الموعد رغم قلقها و شعورها بالغثيان و القرف من كل الذي حدث و تنتهي الحكاية بمغادرة الفتاة لمنزل صديقها الشاب بعد جلسة مليئة بالمجاملات و الأحاديث التي لا تخلو من عقلية طبقية ساذجة!
 تكمن قيمة الفيلم بقدرة مخرجه على تقديم بانوراما واسعة و عميقة للمجتمع الروماني في ذلك الزمن عبر حكاية بسيطة و بأقل عدد من الشخصيات و لكنها حكاية فاضحة و ذكية ملآى بشيفرات سهلة و ممتنعة بآن لأنها تتطلب معرفة مسبقة للمشاهد بالخلفية التاريخية للقصة بارتباطتها و انعكاساتها على مجتمع بلد أوروبية مغمورة و المدهش هو قدرة مونجيو على نقل ذلك بلغة سينمائية رفيعة المستوى و شديدة الصلة بالمضمون فاللقطات الطويلة و الصمت الطاغي يعادلان حالة الركود و الانتظار السائدة لدى العامة و اللقطات الخارجية بمواقعها و أحجامها و زواياها و طريقة تنويرها و ألوانها تعادل حالة الكآبة و الحزن الطاغية على المدينة و تبقى مشاهد الاجهاض و الاغتصاب في الفندق و الحفلة و العشاء و جلسة البطلة و رفيقها في غرفته دروس بالبلاغة السينمائية و بالقدرة على التأثير فبساطة شكلها رغم قبح المضمون و فجاجته تثير حزناً ناعماً لا يجرح المتفرج بقدر ما يوصل إليه أحاسيس الشخصيات خاصة في نهاية الفيلم حين تغادر البطلة المنزل متارجحة بين مرارة الإجهاض (إجهاض الآمال و الأحلام و المستقبل) و انعدام الأمل في إمكانية تنبّه الآخرين لخطر ما يجري و لمرارة المعاناة الإنسانية الماثلة في الواقع.
 وضع هذا الفيلم سينما بلاده على خارطة السينما العالمية بعد حصوله على سعفة كان الذهبية سنة 2007 و خلق نموذجاً يحتذى به في كيفية تناول المواضيع السياسية بلغة سينمائية تجافي الابتذال و المباشرة الساذجة و تنتصر أولاً و أخيراً للإنسان البائس في ظل القمع ناهيك عن متعة الفرجة البصرية الكامنة في اللقطات. 


عمرو علي

22 / 2 /  2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق