الخميس، 16 فبراير 2017

السينما المصرية المستقلة: آلية إنتاج أم اتجاه فني؟


أقام المعهد العالي للسينما بالقاهرة في  2012 سيمناراً للمخرج محمد خان تحدث خلاله عن فيلمه (كليفتي 2004) و هو أول فيلم مصري طويل يصور بكاميرا ديجيتال في وقت كانت فيه نظرة السينمائيين لتقنيات الفيديو مشبعة بالاستخاف و قد انطلق مخرج الفيلم الذي سبق و أن خاض في الثمانينيات صراعاً مع المنتجين التقليدين من رغبته بخلق ظرف إنتاجي قليل التكلفة يحرر الإبداع من القيود التي تفرضها آلية الإنتاج التجارية و من إدراكه للدور الكبير الذي ستلعبه تقنية الديجيتال بعد ذلك و قد تحققت تلك النبوءة فعلاً بعد أقل من عشر سنوات على إنتاج الفيلم و صار مصطلح "السينما المستقلة" متداولاً بكثافة خاصة بعد فيلم (عين شمس 2007) لإبراهيم بطوط و الذي صور بآلية و تقنيات بسيطة نسبة للآلية و التقنيات المتبعة في العمل التقليدي و لكن و بعد عدة أفلام سارت على نهج تلك التجارب التف المنتجون التقليديون حول المصطلح فتمسكوا بالقشور و رموا بالمضون لتصبح "السينما المستقلة" رديفة للسينما منخفضة التكاليف بغض النظر عن موضوعاتها بمعنى أن المنتج أصبح ينتج الفيلم باعتباره فيلماً مستقلاً لغاية تقليل النفقات و المصاريف الإنتاجية بينما يصنع في الحقيقة فيلماً تجارياً بنفس منطق التفكير الذي كان سائداً في التسعينيات و بذلك تم إفراغ المصطلح من معناه و تحول الفيلم المستقل لكابوس بالنسبة للفنيين اللذين يتقاضون نصف أجرهم المعتاد في هذا النوع من الأفلام و تحول الأمر من رغبة بخلق ظرف إنتاجي مريح إلى واقع يفرض ظرفاً إنتاجياً متقشفاً و من الرغبة بالتحرر من القيود إلى عمل قطع شوطاً على صعيد الشكل دون حصول طفرة موازية في المضمون و رغم انتباه المخرجين الشباب اللذين حملوا لواء "السينما المستقلة" منذ بداياتها لهذه النقطة إلا أن الأمر لم يتعدَ حدود مطالبتهم بحماية "السينما المستقلة" من اعتداءات سافرة شوهت المعنى و جعلته خاوياً و فارغاً بينما لجأ البعض الأخر لتأسيس شركات إنتاج مثل (فيلم كلينك) و (زاد للإنتاج) لضمان إخراج أفلامهم على النحو الذي يأملونه و أخيراً اتجه من تبقى لمنح الإنتاج و الدعم الذي تقدمه مهرجانات سينمائية عربية و أجنبية ليتمكنوا من مواصلة العمل و لا شك أن ذلك أدى إلى إجهاض مشروع طموح بتأسيس "سينما مستقلة" حقيقية تنأى بنفسها عن القيود بما في ذلك ما تفرضه المهرجانات من مضامين معيّنة أو رؤى ترغب بدعمها و أحياناً أشكال فنية قد يحلو لها احتضانها و تحولت "السينما المستقلة" إلى فيلم يتم إنتاجه كل سنة أو سنتين يحمل ملامح و حماسة التجربة في بداياتها كالفيلم التسجيلي (عن يهود مصر 2013) لأمير رمسيس و فيلم (باب الوداع 2014) لكريم حنفي و المفارقة أن معظم هذه الأفلام فشلت في دور العرض حيث أنها لم تصمد لفترة طويلة بينما حصد الكثير منها جوائز رفيعة في مهرجانات سينمائية مختلفة و الحقيقة أن تجربة "السينما المستقلة" في مصر أثبتت أنها اتجاه فني أكثر منها آلية إنتاج فالقاسم المشترك بين أفلام مثل (الشتا اللي فات) لإبراهيم بطوط و (ديكور) لأحمد عبد الله و (الخروج إلى النهار) لهالة لطفي هو الرغبة في مقاربة مواضيع تحجم عنها السينما التقليدية و تناول هذه المواضيع برؤية ذاتية لا تنفصل عن الواقع كونها وليدة واقع اعتادت السينما التجارية طيلة سنوات على تجاهله و تجنب الغوص في أعماقه بجدّية بحجة أنه لا يصلح لأن يكون مادة فيلم سينمائي يجذب الجمهور و يحقق النجاح الجماهيري المأمول مع الأخذ بعين الاعتبار أن طرق الحصول على الإنتاج اختلفت من فيلم لأخر فبينما تولى الممثل عمرو واكد إنتاج فيلم (الشتا اللي فات) من خلال شركته (زاد للإنتاج) قامت هالة لطفي بإنتاج فيلمها (الخروج إلى النهار) بنفسها بينما أنتجت شركة (نيو سينشري) المحسوبة على السينما التجارية فيلم (ديكور) و قد تخلى بذلك مخرجو "السينما المستقلة" عن آلية الإنتاج التي اتبعوها في البداية لصالح حفاظهم على تقديم السينما التي يشتهونها بالتعاون مع جهات إنتاجية أدركت أهمية دعم سينما بديلة ترتقي بالإنتاج السينمائي عن المستوى المتدني الذي وصل إليه خلال الخمس سنوات الأخيرة و لكن تبقى هذه الأفلام حالات فردية قليلة لا يجد صنّاعها في كل مرة جهات جاهزة لتقديم التمويل اللازم و ذلك ما أعاد بعض المخرجين إلى العمل في السوق السينمائية رغم مساهمتهم بتأسيس "السينما المستقلة" و رفدها بأفضل إنتاجها مثل المخرج أمير رمسيس الذي أنجز بوقت قياسي فيلميه (بتوقيت القاهرة 2015) و (خانة اليك 2016) و هما فيلمان بعيدان عن السينما المستقلة تماماً و المخرج عماد البهات الذي أثار فيمله (إستغماية 2006) جدلاً كبيراً عند عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي 2006 و لكنه عاد بعد عام و أنجز فيلمه (البلياتشو 2007) و هو فيلم تجاري بالمعنى المتعارف عليه و يبدو بوضوح أن الصراع الذي يخوضه السينمائيون المصريون اليوم هو تكرار لصراع سبق و أن خاضه أساتذة من جيل أخر مثل الراحل عاطف الطيّب و محمد خان و داود عبد السيّد استطاعوا من خلاله تأسيس "سينما جديدة" حققت للسينما المصرية سمعتها الحالية و نقلتها إلى آفاق أكثر رحابة.

عمرو علي
مجلة تحت ال 35 - العدد الثالث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق