السبت، 1 أبريل 2017

وداعاً أبو طارق.. وداعاً يا صديقي الكبير!

                            

في أيلول 2010 ذهبت إلى دبي للالتحاق بقسم الإعلام بالجامعة الأمريكية هناك و رغم أنني لم أقضِ في الإمارات أكثر من أربعين يوماً - حسمت خلالهم قراري بالعودة إلى دمشق و انتظار امتحانات قبول المعهد العالي للسينما بالقاهرة في العام التالي - إلا أنني عدت للشام ظافراً بصداقة بشار إبراهيم (أبو طارق) الذي تنزهت معه في دبي مول و ميركاتو و ميديا سيتي ثم رافقته خلال مهرجاني أبو ظبي و دمشق 2010 و هو الرجل الذي أرشدني في إحدى محادثاتنا الإلكترونية السابقة للقاءنا الشخصي إلى مركز فيديو القبس قرب بلدية الحجر الأسود و الذي كان يحتفظ بنسخ فيديو لأفلام سورية قديمة بذل أبا طارق جهداً كبيراً بأرشفتها و تحليلها في كتابه "سينما القطاع الخاص في سورية" و هو أبرز الكتب و الأبحاث - النادرة أصلاً – التي تناولت تجربة القطاع الخاص في السينما السورية و كان كتابه هذا مفتاحي للولوج لعالم هذه السينما المغلّف بالغموض و التجاهل و النسيان و للوقوف على تفاصيل تجربة فريدة ألممت بالكثير من وقائعها من خلال قراءات و متابعات و أحاديث مع روادها و الحقيقة أن جهود بشار إبراهيم في التوثيق استمرت حتى أيامه الأخيرة مواكباً نتاجات السينما السورية في مرحلتي ما قبل و ما بعد المأساة من وجهة نظر متفردة بموضوعيتها و تحيّزها للفن و للسينما و للغة الراقية القادرة على المخاطبة و التأثير و يتضح ذلك لأي متابع لمقالاته التي كتبها حول السينما السورية المستقلة خاصة تلك المنشورة في جريدة النور سنة 2006 أثناء انعقاد تظاهرة الوردة للسينما المستقلة و التي تناولت تجارب ورشة سينما أيلول و أفلام نضال حسن و حازم الحموي و كذلك مقالاته التي داوم على نشرها في عدة صحف و مجلات و مدونات إلكترونية و ربما كان أخرها ما كتبه عن الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية التي جمعتني به بعد ست سنوات لم ينقطع خلالها تواصلنا عبر الإنترنت حيث كان يتابع باهتمام من مكان إقامته بدبي ما أنجرته في تلك الفترة من أفلام روائية و تسجيلية قصيرة أخرها الغيبوبة و هو فيلمي للتخرج من المعهد و قد كتب عنه قبل فترة قصيرة مشيداً بصنعته الفنية الجيدة و مشيراً لثغرات تتصل بالفكرة و السيناريو كما كتب عن أفلام سورية أخرى كانت حاضرة في الأيام السينمائية مثل مزرعة الأبقار، جلد و منازل بلا أبواب.
في مطعم شعبي في شارع الحبيب بورقيبة بتونس التقيته للمرة للأخيرة و هو يطلب الغداء مستخدماً الإشارات و قد اعتقدت للوهلة الأولى أنه كان يمازح عامل المطعم على طريقته – و هو المشهور بمرحه و مزاجه الرائق – و عندما جلسنا إلى طاولة الغداء أدركت بأن السرطان قد تمكن من حنجرته و أنه كان قد استئصلها قبل فترة قصيرة - لم أكن أعلم بكل هذه المستجدات - و رغم ذلك فقد أخذنا فوراً بالتحدّث عبر الكتابة على الأيباد عن الأفلام المشاركة في المهرجان و عن قضايا تخص السينما السورية و العربية و عن حياتنا الشخصية أيضاً و على تلك الطاولة اتفقنا على لقاء جديد في مهرجان القاهرة إن استطاع استخراج تأشيرة تمكنه من الدخول لمصر و هو ما لم يحدث أبداً لأن عشقه لتلك البلد و لسينماها لم يشفع له عند أرباب البيروقراطية الرافضين لدخول الفلسطينيين - و السوريين - لأم الدنيا! 
كان لقائي الأخير ببشار إبراهيم قاسياً و مؤلماً رغم محاولاتي لإخفاء حزني و خيبتي من تدهور حالته الصحية و بين لقائي الأخير معه في تونس 2016 و لقاءنا الأول في دبي 2010 تعرفت على ناقد حقيقي على طريقة أندريه بازان و سمير فريد و غيرهم ممن نذروا حياتهم للسينما و للكتابة عن السينما بدافع عجيب من شغف و حب لهذا الفن و إن كان أبا طارق ناقداً فذاً فهو في المقابل مؤرخ سينمائي فريد من نوعه في السينما العربية - كتب الكثير عن السينما الفلسطينية و المصرية و العراقية و الأردنية - و غيابه اليوم هو غياب رؤية مميزة تابعت على مدى عقود السينما العربية و رفدت نتاجاتها بكتابات جادة و مجدية لن يقدر أحد على الإتيان بمثلها و غيابه هو أولاً و أخيراً خسارة للسينما السورية و للنقد السينمائي السوري الذي أضحى بلا أب يوجه دفته كبشار إبراهيم فمن يقدر على الكتابة عن السينما السورية مثل بشار إبراهيم؟

الرحمة لروح أبو طارق!
كل العزاء لطارق و ليلى و للعائلة الكريمة!

عمرو علي
31 / 3 / 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق