الخميس، 16 فبراير 2017

حنين على السابعة صباحاً!


منذ أيام و أنا أشعر بحنين غامر لمعهد السينما و أيام الدراسة التي لم ينقضِ وقت طويل على انتهاءها فمنذ افتراقي عن المعهد في يوم تحكيم مشاريع التخرج (يوليو الفائت) و أنا أسترجع ذكريات الأيام التي قضيتها بين جدران هذا الصرح منذ وصولي إلى القاهرة قادماً من دمشق ذات يوم من أيام سبتمبر 2011 أيام ما كانت البوابة الرئيسية للمعهد من ناحية شارع ومبي (جمال الدين الأفغاني) تُفتح في الصباح الباكر استعداداً لدخول الطلبة القادمين من أنحاء القاهرة الكبرى للحاق بمواعيد محاضراتهم و رغم أن المسافة بين البيت و المعهد طيلة السنة الأولى لم تكن تستغرق أكثر من 5 دقائق (كنت أقطن في عمارة تقع قبالة المعهد تماماً) إلا أن المسافات بين القاعات و الأقسام و الأدوار الأربعة في الداخل استغرقت خمس سنوات من المثابرة و المواظبة على الولوج و الإلمام بكل التفاصيل بدءً من علب الخام المبعثرة هنا و هناك وصولاً إلى المخلفات و الإكسسوارات المرمية على السطح ففي السنة الأولى كنا ندرس في القاعتين الكبيرتين على يسار الباب الرئيسي حيث افتتحنا الفصل الأول بكتاب "تاريخ السينما العالمية" و الذي يفند بالتفصيل التجارب و الاختبارات التي أثمرت في النهاية ولادة آلة السينماتوغراف على يد الأخوين "لوميير" و تطور الأفلام السينمائية الأولى على يد "جورج ميليه" وصولاً إلى محاولات "جريفيث" في المونتاج و وضع الكاميرا على عربات في أفلام حربية ضخمة، قياساً لذلك العصر، مثل "كابوريا"! و في الفصل الثاني انتقلنا إلى قسم التصوير حيث خضنا برفقة الأستاذ "أحمد عواض" غمار دروس عملية على كاميرا السينما 35 ملم و اختبرنا التأثير البصري الناتج عن استخدام العدسات مختلفة الأحجام و سرحنا في خيالنا مع الأمثلة التي أوردها الأستاذ عن بعض لقطات فيلم "الرغبة" لأستاذنا "علي بدرخان" و عن كيفية توظيف عدسات التيليفوتو (طويلة البعد) في خلق إيهام بإمتلاء خلفية الكادر بالمجاميع و في الفصل ذاته دخلنا القاعة 35 للمرة الأولى برفقة الراحل "هشام أبو النصر" و تفرجنا منذ دروس مقرر التذوق في سنتنا الأولى و حتى السنة الأخيرة على تجارب سينمائية من الغرب و الشرق بدأت مع مدرعة "إيزنشتين" و انتهت مع الفيلم الأرجنتيني الرائع "حكايات برّية" و معظم تلك العروض كانت تُتبع بنقاشات تديرها "مها الشناوي" و تشمل كافة العناصر الفنية دون استثناء في محاولة للارتقاء بالذائقة و الوقوف على كنه ما يتوارى بين السطور أما ما كان يحدث بين جدران المعهد و دهاليزيه فهو أمر أخر تماماً فعند الباب المفضي للحديقة الخلفية حيث كافيتيريا عم "عبده" التقيت أول مرة بالصديق "يامن المغربي" الذي كان في السنة الثالثة فرحت أخمن مستفيداً من أحاديثه ما قد يقع في سنواتي التالية و عرفت الكثير عن الأساتذة و المدرسين و فحوى المقررات المفروضة علينا و في المساء اعتدنا على أن نلتقي على قهوة "جمعة" أو "صدفة" الشعبيتين و اللتين تحولتا مع وصول دفعة الطلبة السوريين في السنة الثانية إلى ندوات مفتوحة و دائمة للنقاش الفني و الفكري و السياسي، أحياناً، في وقت كنا نمر فيه بأقسى حالات الاصطفاف التي، رغم فجاجتها، لم تُفسد للود بيننا قضية و عند عم "منصور" بائع الفول و سندويشات الطعمية و البطاطس التقيت مع "يامن عبد النور" الذي عرفته في "دمشق" معرفة عابرة تعززت خلال دراستنا في المعهد و داومت هناك على لقاء أولاد دفعتي "هادي" و "كوثر" و "يوسف" لتناول الفطور على الصباح الباكر قبل يوم طويل نقضيه مع دروس "مجدي عبد الرحمن" أو "سمير سيف" أو "خالد بهجت"!
ذهبت تلك الأيام و استلبتنا الحياة العملية التي نتلمس خطواتنا في دهاليزيها و التي تعدنا، بلا شك، بمزيد من الاستلاب إلا أن ذكريات تلك الأيام تطل برأسها من مخبأها لتطرد النوم بعيداً عن أعين ترنو نحو الماضي و المستقبل في آن لتجعل من هذا التدوين دفقة شوق جديدة و وعداً بالعطاء!

عمرو علي
14 / 2 / 2017  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق