الخميس، 16 فبراير 2017

السينما المستقلة في سورية: تجربة شخصية!


في بداية سنة 2008 أنجزت فيلماً روائياً قصيراً اسمه (شتاء حار) و في حوزتي سيناريو الفيلم و كاميرا فيديو منزلية (هانديكام) مدفوعاً بمقالات قرأتها على الإنترنت حول تجربة "السينما المستقلة" في مصر و كان الهاجس هو القدرة على صناعة فيلم بالاعتماد على كاميرا و سيناريو فقط دون الحاجة لوجود عشرات العمال و الفنيين كما هو الحال في العمل التقليدي و أثناء مونتاج الفيلم أصبح السؤال يدور حول إمكانية صناعة "فيلم حقيقي" بمثل هذه الظروف و قد دفعتني تلك التجربة لكتابة و إنجاز فيلم (8 ميليمتر ديجيتال) الذي تدور قصّته حول مخرج سينمائي يصنع فيلماً بواسطة كاميرا فيديو – هي نفسها الكاميرا التي صورت بها تلك التجربة – و رغم أن ظروفاً إنتاجية مثالية توفرت لفيلم (8 ميليمتر ديجيتال) إلا أن موضوعه كان برمته يدور حول صناعة فيلم بواسطة كاميرا فقط أي بأسلوب عمل يشبه الأسلوب القائم في "السينما المستقلة" أو حتى أكثر تقشفاً منه و شكّلت مشاركة الفيلم في مسابقة مهرجان دمشق و مهرجانات أخرى دافعاً قوياً لي و لمجموعة العمل لتأسيس "تجمع السينما الجديدة New Cinema Group" و هي جهة إنتاج مستقلة قامت على جهود فردية تمكنت عبرها من مواصلة إنجاز الأفلام بنفس الطريقة و خلال الفترة بين (2007) و (2010) ظهرت مجموعة أفلام صنعها شبّان سوريون بالاعتماد على نصوصهم و كاميراتهم مثل (ذكريات لا يحملها الماضي 2008) لباسم السلكا و (فوضى 2009) لعصام خليل الذي عُرض عرضاً خاصاً على هامش مهرجان دمشق إضافة إلى (رائحة الموت 2010) و (عين الذئب 2010) اللذين أنجزتهما بالتعاون مع التجمع و الحقيقة أن هذه التجارب تتقاطع في مقارباتها لمواضيع ذات صبغة تجارية كقصص الحب و عذاباتها بالنسبة لجيل الشباب و عوالم الجريمة و السرقة و القتل و تعاطي المخدرات و رغم أن غياب معهد للسينما في (سورية) يكفل إعداد جيل يملك ثقافة سينمائية مختلفة و متنوعة يعد سبباً رئيسياً لجنوح تلك التجارب نحو هذا الاتجاه إلا أن السبب المباشر هو إحجام السينما السورية – المنتجة من قبل مؤسسة السينما – عن تناول مثل تلك المواضيع في أفلامها رغم أنها قضايا واقعية تستحق الحضور على الشاشة الكبيرة و ذلك ما عززّ الرغبة بإنتاج أفلام ذات صبغة تجارية جماهيرية تقيم جسراً للتواصل مع الجمهور – خاصة الشباب – من خلال الابعتاد عن موضوعات السيرة الذاتية و الصراعات الإيديولوجية على صعيد المضمون و تجنب الرمزية و التعقيد على مستوى الشكل و يوضّح ذلك أن الدوافع نحو "السينما المستقلة" في سورية هي عكس الدوافع التي وقفت وراء ولادة "السينما المستقلة" في مصر فإذا كانت رغبة السينمائيين المصريين – و معظمهم من خريجي معهد السينما – هي التحرر من سطوة السينما التجارية و موضوعاتها الضحلة فإن رغبة السينمائيين السوريين – و معظمهم من الهواة – كانت خلق مثل تلك السينما لضمان التواصل مع الجمهور الذي لا تأبه به سينما المؤسسة إلا أن الرغبة في "التبسيط" الزائد أدى إلى إضفاء قدر من السذاجة على تلك التجارب بعد اكتمالها – دون أن نغفل ضحالة تجربة صنّاعها في تلك الآونة – و إلى اعتبارها أفلام "هواة" تحاول من خلال موضوعاتها محاكاة تجربة الدراما التلفزيونية و تكثيفها زمنياً و تحويلها إلى أشرطة فيلمية يقام لها عروض خاصة أو تشق طريقها للعرض عبر "يوتيوب" الذي أضحى المنبر المفضّل لصنّاع تلك الأفلام و رغم أن هذا الرأي يصيب قدراً كبيراً من الصّحة إلا أن عملية الأرشفة الضرورية اليوم لبدايات "السينما المستقلة" في سورية لا بد أن تنصف تلك التجارب على اعتبارها محاولات متواضعة لتأسيس اتجاه جديد قائم على الجهود الفردية الخالصة لا شكّ أنه كان ملهماً لتجارب أخرى أكثر نضوجاً ظهرت بعد ذلك و إضافة إلى تقاطع تلك الأفلام بموضوعاتها فقد تقاطعت أيضاً بآلية إنتاجها حيث أدرك صنّاع الأفلام الشباب صعوبة الحصول على دعم من مؤسسة السينما أو أيّة جهة إنتاج خاصة ففي سنة 2009 ظهر مشروع طموح – كنت شاهداً على مراحله - قدّمه المخرج طلال ديركي للمؤسسة و لعدة شركات إنتاج يهدف للحصول على دعم لأفلام قصيرة كتبها سينمائيون شباب إلا أن المشروع لم يرَ النور بسبب عدم الاهتمام الذي قوبل به من قبل المؤسسة و بعض الجهات الأخرى بينما أبدت جهتان إنتاجيتان فقط من أصل خمسة قُدم لها المشروع استعدادها للدعم و حفزّت تلك الخيبة الشباب على صنع أفلامهم بأنفسهم و الكفّ عن انتظار تمويل لن يأتي و الشيء الأقرب للدّقة أنه و إذا كانت تصنيفات النقّاد التي نشرت في العديد من المقالات تميل لاعتبار فيلم (البشرة المالحة 2002) لنضال حسن بداية "السينما المستقلة" إلى جانب أفلام "ورشة سينما أيلول" و الأفلام التي عرضت ضمن "تظاهرة مجلة الوردة" بدمشق سنة 2006 فإن الأفلام التي صنعها شبّان حملوا كاميراتهم و خروجوا إلى الشوارع بصحبة نصوصهم هي اتجاه أخر ربما يعتبره البعض جزءً من حركة "السينما المستقلة" و ربما يعتبرونه محض تجارب تعبّر عن حبّ الشباب السوري للسينما و شغفهم بصناعة الأفلام و استكشافهم الطريق إليه لكنها و بكل الأحوال تجارب قائمة تستحق النظر إليها.

عمرو علي
مجلة تحت ال 35 - العدد الثاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق