الخميس، 16 فبراير 2017

معهد السينما يفقد أساتذته!

                                   

شاءت الأقدار أن أنتمي لدفعة تتلمذت في معهد السينما على أيدي أساتذة كبار وافت المنية بعضهم لمّا كنت ما أزال طالباً و غادر بعضهم الآخر دنيانا في الأيام الأخيرة و أقصد محمد كامل القليوبي و فاروق الرشيدي.
ذهبت من دمشق إلى القاهرة مصحوباً بقراءات كثيرة حول السينما المصرية و العربية أفسحت لي مكتبة والدي فرصة الإطلاع عليها و كان ثمة اسمان رئيسيان كثيرا التردد في صفحات تلك الكتب و هما الراحلان هشام أبو النصر و محمد كامل القليوبي!
في القاهرة التي تغلي، (وصلتها بعد يناير 2011 بأشهر قليلة)، كان هشام أبو النصر حانقاً و غير متفائل بالقادم من الأيام و هو الذي ذاق مرارة منع الأفلام و لعنة التضييق و التهميش بسبب مواقفه المناهضة لسياسة الدولة المصرية في عهد مبارك، أتذكر جيداً مشهد خروج مجموعة من الفتيات المحجبات من القاعة 35 خلال محاضرة التذوق السينمائي بسبب التشائم التي كان يحلو للأستاذ الراحل ترديدها كثيراً في حق اللذين أوصوله إلى ما كان عليه من إحباط و يأس و إن كان قد خصص جزءً من مدة المحاضرة للحديث عن فيلم (جي. أف كينيدي) فإن الزمن الأكبر كان قد وفره للحديث في السياسة و أوضاع البلد و ما شابه ذلك من أمور كانت تمثّل الشغل الشاغل للمصريين و العرب عموماً في تلك الفترة.
من غضب هشام أبو النصر إلى رقة القليوبي و إصراره على إلقاء محاضراته بالطريقة التي يفضلها (الصوت الخفيض و الحديث السريع) رغم معارضة الطلاب اللذين لم يخفي بعضهم جهله بالأستاذ و عدم سماعه باسمه قبلاً و هو الذي لا يكاد يخلو مرجع سينمائي عربي من اسمه أو من استشهاد برأيه أو وجهة نظره! ثم إلى خفة دم الأستاذ الكبير علي بدرخان و حدّة ملاحظته و دقة ذاكرته و شغفه بالتواصل مع الشباب من خلال مكتبة بدرخان التي آل مصيرها إلى الإغلاق لاحقاً بسبب يأس غير معلن من الشأن الثقافي العام و اهتمامه بمطالعة الإصدارات السينمائية و الأدبية الجديدة حتى لو اقتضى ذلك وقوفه على الواحدة فجراً عند كشك عم حامد قبالة المعهد و تفحص الكتب الجديدة بهدوء (واحد من المشاهد الأحلى في ذاكرتي) وصولاً إلى دماثة فاروق الرشيدي و استرجاعه لأيام الدراسة في موسكو بصحبة محمد ملص و عبد اللطيف عبد الحميد و طريقته في الحديث عن السينما الروسية خصوصاً في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي و انفتاح روسيا على الغرب و كذلك حديثه عن الواقعية الجديدة و دراجة دي سيكا و كأن الحكي عن الموجات و الأفلام التي تظهر في الأزمنة الملتهبة هو الأمتع و الأعذب!
لا يقل الشعور بالحزن على رحيل الأساتذة عن الحزن لرحيل عم عبده مستثمر بوفيه المعهد و الذي كان كثير الحديث عن سورية و دمشق و ساحة المرجة تحديداً و عن ذكرياته في ربوعها و الذي كان أيضاً لا يوفر مناسبة للتعبير عن حبّه لأولاد سورية و بلدهم و عن مغامراته في مواقع تصوير أفلام تخرج الطلبة التي كانت تصور في بلاتوهات المعهد حيث كان يستثمر بوفيه اللوكيشن في معظم تلك المشاريع.
 إذا كان للمعاهد الفنية من قيمة ما فالقيمة تستمد من قدر و شأن أساتذتها و إن كان معهد السينما يحتاج إلى تصنيف فهو المتربع على قائمة أهم و أفضل معاهد السينما في البلاد العربية و ذلك هو ما أضفاه تواجد أبو النصر و القليوبي و الرشيدي و علي بدرخان على هذا الصرح الجدير بكل الحب و الاحترام.
رحم الله أستاذتي الكبار و أطال بعمر الكبير علي بدرخان.


عمرو علي
12 / 2 / 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق