السبت، 1 أبريل 2017

قضايا السينما العربية في كتاب العربي!



جاء إصدار شهر يوليو 2013 من سلسلة كتاب "العربي" تحت عنوان "قضايا السينما العربية" و تم بين دفتيه تجميع مقالات وقعها نقاد و باحثون عرب خلال الفترة الممتدة بين أوائل التسعينيات وصولاً إلى نهاية العقد الأول من الألفية و بدايات "الزلازل" العربية فكان بذلك بمثابة استرجاع لماض قريب حمل أسئلته و هواجسه التي ما زال الكثير منها بلا إجابة إلى اليوم و إن كان الكتاب قد خصص العدد الأكبر من صفحاته للحديث عن السينما المصرية الأعرق عربياً فإنه لم يهمل،  بالمقابل، عبر مقالاته المنتقاة بعناية واقع سينمات عربية أخرى عانت و لا تزال من مآزق يبدو أنها بلا حلول بدءً من السينما التونسية التي كتب عنها "عدنان حسين" من خلال ثلاثة أفلام كانت حاضرة في أيام قرطاج السينمائية 2005  هي "الأمير" و "رقصة الريح" و "باب العرش" مروراً بالسينما السورية عبر مقال "خليل صويلح" حول سينما الموضوع و التي تطرقت لأحدث إنتاجات مؤسسة السينما السورية في نصف التسعينيات الأول ثم إلى مقالات "بشار إبراهيم" عن السينمات العراقية و الأردنية و الفلسطينية و التي ألقت ضوءً ساطعاً على تجربة "تعاونية عمّان للأفلام" و هي تجربة رائدة في تاريخ السينما الأردنية أطلقها المخرج "حازم بيطار" و أنتج من خلالها أفلاماً روائية قصيرة حجزت لنفسها أماكن و حصدت جوائز في العديد من المهرجانات العربية و رفدت سينما بلدها بدماء و رؤى مخرجين شباب حجز بعضهم مكانة سينمائية مرموقة في الأردن قبل أن يخبو الشعف الذي أثارته عقب سنوات قصيرة من إطلاقها مع تفرق عرابيها و هجرة مؤسسها  كما كشفت مقالة "بشار إبراهيم" عن تجارب تسجيلية أنجزها سينمائيون فلسطينيون خلال العقود الأخيرة وثقت جرائم الاحتلال في الأراضي العربية و فضحت همجيتها و زيف إدعاءاتها عبر منجز سينمائي ترعرع في كنف المقاومة الفلسطينية و أخلص لها و جاءت في نهاية الكتاب ثلاث مقالات تناولت جوانباً من السينما المصرية حيث كتب "يحيى فكري" عن المضحكون في السينما المصرية متناولاً علاقة السينما و الكوميديا و ارتباطهما بالواقع المصري منذ أيام "نجيب الريحاني" إلى "إسماعيل يس" و "فؤاد المهندس" وصولاً إلى "عادل إمام" و الكومديانات الجدد أما شرخ السينما المصرية الذي كتب عنه الناقد الراحل الأستاذ "رفيق الصبان" فكان نتاجاً طبيعياً لمقارنة أجراها بين سينما الموجة الجديدة التي قادها فرسان الواقعية من أمثال "محمد خان" و "خيري بشارة" و "داود عبد السيد" في الثمانينات و "سينما الشباب" التي ظهرت في النصف الثاني للعقد الأول من الألفية و لم يخلو المقال الذي جاء على هيئة استعراض لأحدث إنتاجات السينما المصرية في تلك الحقبة من أخطاء سببها عدم توخي الدقة في المعلومات كأن ينسب الكاتب فيلماً لمخرج أخر غير مخرجه الحقيقي و خلاصة القول أن هذا العدد من كتاب "العربي" يشكل بانوراما واسعة النطاق لواقع سينمانا العربية ضمن حقبة من أكثر حقباتها تعقيداً  و تبايناً في النتاجات و هو مرجع كاف للمهتمين بأحوال السينما العربية أو الراغبين بتتبع خطواتها و أخبارها في ماض لا يزال قريباً!


عمرو علي
14 / 2 / 2017

وداعاً أبو طارق.. وداعاً يا صديقي الكبير!

                            

في أيلول 2010 ذهبت إلى دبي للالتحاق بقسم الإعلام بالجامعة الأمريكية هناك و رغم أنني لم أقضِ في الإمارات أكثر من أربعين يوماً - حسمت خلالهم قراري بالعودة إلى دمشق و انتظار امتحانات قبول المعهد العالي للسينما بالقاهرة في العام التالي - إلا أنني عدت للشام ظافراً بصداقة بشار إبراهيم (أبو طارق) الذي تنزهت معه في دبي مول و ميركاتو و ميديا سيتي ثم رافقته خلال مهرجاني أبو ظبي و دمشق 2010 و هو الرجل الذي أرشدني في إحدى محادثاتنا الإلكترونية السابقة للقاءنا الشخصي إلى مركز فيديو القبس قرب بلدية الحجر الأسود و الذي كان يحتفظ بنسخ فيديو لأفلام سورية قديمة بذل أبا طارق جهداً كبيراً بأرشفتها و تحليلها في كتابه "سينما القطاع الخاص في سورية" و هو أبرز الكتب و الأبحاث - النادرة أصلاً – التي تناولت تجربة القطاع الخاص في السينما السورية و كان كتابه هذا مفتاحي للولوج لعالم هذه السينما المغلّف بالغموض و التجاهل و النسيان و للوقوف على تفاصيل تجربة فريدة ألممت بالكثير من وقائعها من خلال قراءات و متابعات و أحاديث مع روادها و الحقيقة أن جهود بشار إبراهيم في التوثيق استمرت حتى أيامه الأخيرة مواكباً نتاجات السينما السورية في مرحلتي ما قبل و ما بعد المأساة من وجهة نظر متفردة بموضوعيتها و تحيّزها للفن و للسينما و للغة الراقية القادرة على المخاطبة و التأثير و يتضح ذلك لأي متابع لمقالاته التي كتبها حول السينما السورية المستقلة خاصة تلك المنشورة في جريدة النور سنة 2006 أثناء انعقاد تظاهرة الوردة للسينما المستقلة و التي تناولت تجارب ورشة سينما أيلول و أفلام نضال حسن و حازم الحموي و كذلك مقالاته التي داوم على نشرها في عدة صحف و مجلات و مدونات إلكترونية و ربما كان أخرها ما كتبه عن الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية التي جمعتني به بعد ست سنوات لم ينقطع خلالها تواصلنا عبر الإنترنت حيث كان يتابع باهتمام من مكان إقامته بدبي ما أنجرته في تلك الفترة من أفلام روائية و تسجيلية قصيرة أخرها الغيبوبة و هو فيلمي للتخرج من المعهد و قد كتب عنه قبل فترة قصيرة مشيداً بصنعته الفنية الجيدة و مشيراً لثغرات تتصل بالفكرة و السيناريو كما كتب عن أفلام سورية أخرى كانت حاضرة في الأيام السينمائية مثل مزرعة الأبقار، جلد و منازل بلا أبواب.
في مطعم شعبي في شارع الحبيب بورقيبة بتونس التقيته للمرة للأخيرة و هو يطلب الغداء مستخدماً الإشارات و قد اعتقدت للوهلة الأولى أنه كان يمازح عامل المطعم على طريقته – و هو المشهور بمرحه و مزاجه الرائق – و عندما جلسنا إلى طاولة الغداء أدركت بأن السرطان قد تمكن من حنجرته و أنه كان قد استئصلها قبل فترة قصيرة - لم أكن أعلم بكل هذه المستجدات - و رغم ذلك فقد أخذنا فوراً بالتحدّث عبر الكتابة على الأيباد عن الأفلام المشاركة في المهرجان و عن قضايا تخص السينما السورية و العربية و عن حياتنا الشخصية أيضاً و على تلك الطاولة اتفقنا على لقاء جديد في مهرجان القاهرة إن استطاع استخراج تأشيرة تمكنه من الدخول لمصر و هو ما لم يحدث أبداً لأن عشقه لتلك البلد و لسينماها لم يشفع له عند أرباب البيروقراطية الرافضين لدخول الفلسطينيين - و السوريين - لأم الدنيا! 
كان لقائي الأخير ببشار إبراهيم قاسياً و مؤلماً رغم محاولاتي لإخفاء حزني و خيبتي من تدهور حالته الصحية و بين لقائي الأخير معه في تونس 2016 و لقاءنا الأول في دبي 2010 تعرفت على ناقد حقيقي على طريقة أندريه بازان و سمير فريد و غيرهم ممن نذروا حياتهم للسينما و للكتابة عن السينما بدافع عجيب من شغف و حب لهذا الفن و إن كان أبا طارق ناقداً فذاً فهو في المقابل مؤرخ سينمائي فريد من نوعه في السينما العربية - كتب الكثير عن السينما الفلسطينية و المصرية و العراقية و الأردنية - و غيابه اليوم هو غياب رؤية مميزة تابعت على مدى عقود السينما العربية و رفدت نتاجاتها بكتابات جادة و مجدية لن يقدر أحد على الإتيان بمثلها و غيابه هو أولاً و أخيراً خسارة للسينما السورية و للنقد السينمائي السوري الذي أضحى بلا أب يوجه دفته كبشار إبراهيم فمن يقدر على الكتابة عن السينما السورية مثل بشار إبراهيم؟

الرحمة لروح أبو طارق!
كل العزاء لطارق و ليلى و للعائلة الكريمة!

عمرو علي
31 / 3 / 2017

الأربعاء، 22 فبراير 2017

4 أشهر.. ثلاثة أسابيع و يومان!




شاهدت هذا الفيلم الروماني الشهير قبل الانتساب للمعهد ثم شاهدته مجدداً خلال عروض مقرر التذوق السينمائي أثناء الدراسة حيث كان واحداً من أفلام كثيرة أخضعنا عناصرها الفنية بإشراف مها الشناوي لتحليل شامل انطلق من الفكرة و مر ببناء السيناريو و تحليل الشخصيات و درامية الصوت و التصوير و وصل لإدارة الممثل و نوعية الألوان و كل ما يدخل في صلب عملية الإخراج.

 وصلت بوخارست قبل أيام قليلة لتصوير مسلسل تلفزيوني يخرجه والدي و الحقيقة أن روح تشاوشيسكو الذي حكم هذه البلد باسم الشيوعية لسنوات ما تزال تطغى على الجو العام الأميل للكآبة و الركود رغم الانفتاح على الغرب منذ التسعينيات و الدخول في الاتحاد الأوروبي سنة 2007.
 تقع أحداث فيلم كريسيتيان مونجيو خلال فترة حكم تشاوشيسكو (أواخر الثمانينيات) و تدور حكايته حول رحلة فتاة جامعية تساعد صديقتها على إجراء عملية إجهاض لجنين غير شرعي في ظل منع عمليات الإجهاض و يتابع الفيلم رحلة الفتاة التي تعثر بصعوبة على غرفة في فندق ثم تتفق مع طبيب مختص بإجراء هذه العمليات على أجر معين لقاء خدمته لكنه سرعان ما يرفض الثمن المتفق عليه و يساوم الفتاتين بدناءة إلى أن يظفر بجسديهما بعملية مقايضة تكشف ما وصل إليه المجتمع من جشع و استغلال و قلة إنسانية و لأن الفتاة مرتبطة بموعد مع صديقها في منزله بسبب مناسبة عيد ميلاد فإنها تقرر ترك صديقتها و الذهاب إلى الموعد رغم قلقها و شعورها بالغثيان و القرف من كل الذي حدث و تنتهي الحكاية بمغادرة الفتاة لمنزل صديقها الشاب بعد جلسة مليئة بالمجاملات و الأحاديث التي لا تخلو من عقلية طبقية ساذجة!
 تكمن قيمة الفيلم بقدرة مخرجه على تقديم بانوراما واسعة و عميقة للمجتمع الروماني في ذلك الزمن عبر حكاية بسيطة و بأقل عدد من الشخصيات و لكنها حكاية فاضحة و ذكية ملآى بشيفرات سهلة و ممتنعة بآن لأنها تتطلب معرفة مسبقة للمشاهد بالخلفية التاريخية للقصة بارتباطتها و انعكاساتها على مجتمع بلد أوروبية مغمورة و المدهش هو قدرة مونجيو على نقل ذلك بلغة سينمائية رفيعة المستوى و شديدة الصلة بالمضمون فاللقطات الطويلة و الصمت الطاغي يعادلان حالة الركود و الانتظار السائدة لدى العامة و اللقطات الخارجية بمواقعها و أحجامها و زواياها و طريقة تنويرها و ألوانها تعادل حالة الكآبة و الحزن الطاغية على المدينة و تبقى مشاهد الاجهاض و الاغتصاب في الفندق و الحفلة و العشاء و جلسة البطلة و رفيقها في غرفته دروس بالبلاغة السينمائية و بالقدرة على التأثير فبساطة شكلها رغم قبح المضمون و فجاجته تثير حزناً ناعماً لا يجرح المتفرج بقدر ما يوصل إليه أحاسيس الشخصيات خاصة في نهاية الفيلم حين تغادر البطلة المنزل متارجحة بين مرارة الإجهاض (إجهاض الآمال و الأحلام و المستقبل) و انعدام الأمل في إمكانية تنبّه الآخرين لخطر ما يجري و لمرارة المعاناة الإنسانية الماثلة في الواقع.
 وضع هذا الفيلم سينما بلاده على خارطة السينما العالمية بعد حصوله على سعفة كان الذهبية سنة 2007 و خلق نموذجاً يحتذى به في كيفية تناول المواضيع السياسية بلغة سينمائية تجافي الابتذال و المباشرة الساذجة و تنتصر أولاً و أخيراً للإنسان البائس في ظل القمع ناهيك عن متعة الفرجة البصرية الكامنة في اللقطات. 


عمرو علي

22 / 2 /  2017

الخميس، 16 فبراير 2017

معهد السينما يفقد أساتذته!

                                   

شاءت الأقدار أن أنتمي لدفعة تتلمذت في معهد السينما على أيدي أساتذة كبار وافت المنية بعضهم لمّا كنت ما أزال طالباً و غادر بعضهم الآخر دنيانا في الأيام الأخيرة و أقصد محمد كامل القليوبي و فاروق الرشيدي.
ذهبت من دمشق إلى القاهرة مصحوباً بقراءات كثيرة حول السينما المصرية و العربية أفسحت لي مكتبة والدي فرصة الإطلاع عليها و كان ثمة اسمان رئيسيان كثيرا التردد في صفحات تلك الكتب و هما الراحلان هشام أبو النصر و محمد كامل القليوبي!
في القاهرة التي تغلي، (وصلتها بعد يناير 2011 بأشهر قليلة)، كان هشام أبو النصر حانقاً و غير متفائل بالقادم من الأيام و هو الذي ذاق مرارة منع الأفلام و لعنة التضييق و التهميش بسبب مواقفه المناهضة لسياسة الدولة المصرية في عهد مبارك، أتذكر جيداً مشهد خروج مجموعة من الفتيات المحجبات من القاعة 35 خلال محاضرة التذوق السينمائي بسبب التشائم التي كان يحلو للأستاذ الراحل ترديدها كثيراً في حق اللذين أوصوله إلى ما كان عليه من إحباط و يأس و إن كان قد خصص جزءً من مدة المحاضرة للحديث عن فيلم (جي. أف كينيدي) فإن الزمن الأكبر كان قد وفره للحديث في السياسة و أوضاع البلد و ما شابه ذلك من أمور كانت تمثّل الشغل الشاغل للمصريين و العرب عموماً في تلك الفترة.
من غضب هشام أبو النصر إلى رقة القليوبي و إصراره على إلقاء محاضراته بالطريقة التي يفضلها (الصوت الخفيض و الحديث السريع) رغم معارضة الطلاب اللذين لم يخفي بعضهم جهله بالأستاذ و عدم سماعه باسمه قبلاً و هو الذي لا يكاد يخلو مرجع سينمائي عربي من اسمه أو من استشهاد برأيه أو وجهة نظره! ثم إلى خفة دم الأستاذ الكبير علي بدرخان و حدّة ملاحظته و دقة ذاكرته و شغفه بالتواصل مع الشباب من خلال مكتبة بدرخان التي آل مصيرها إلى الإغلاق لاحقاً بسبب يأس غير معلن من الشأن الثقافي العام و اهتمامه بمطالعة الإصدارات السينمائية و الأدبية الجديدة حتى لو اقتضى ذلك وقوفه على الواحدة فجراً عند كشك عم حامد قبالة المعهد و تفحص الكتب الجديدة بهدوء (واحد من المشاهد الأحلى في ذاكرتي) وصولاً إلى دماثة فاروق الرشيدي و استرجاعه لأيام الدراسة في موسكو بصحبة محمد ملص و عبد اللطيف عبد الحميد و طريقته في الحديث عن السينما الروسية خصوصاً في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي و انفتاح روسيا على الغرب و كذلك حديثه عن الواقعية الجديدة و دراجة دي سيكا و كأن الحكي عن الموجات و الأفلام التي تظهر في الأزمنة الملتهبة هو الأمتع و الأعذب!
لا يقل الشعور بالحزن على رحيل الأساتذة عن الحزن لرحيل عم عبده مستثمر بوفيه المعهد و الذي كان كثير الحديث عن سورية و دمشق و ساحة المرجة تحديداً و عن ذكرياته في ربوعها و الذي كان أيضاً لا يوفر مناسبة للتعبير عن حبّه لأولاد سورية و بلدهم و عن مغامراته في مواقع تصوير أفلام تخرج الطلبة التي كانت تصور في بلاتوهات المعهد حيث كان يستثمر بوفيه اللوكيشن في معظم تلك المشاريع.
 إذا كان للمعاهد الفنية من قيمة ما فالقيمة تستمد من قدر و شأن أساتذتها و إن كان معهد السينما يحتاج إلى تصنيف فهو المتربع على قائمة أهم و أفضل معاهد السينما في البلاد العربية و ذلك هو ما أضفاه تواجد أبو النصر و القليوبي و الرشيدي و علي بدرخان على هذا الصرح الجدير بكل الحب و الاحترام.
رحم الله أستاذتي الكبار و أطال بعمر الكبير علي بدرخان.


عمرو علي
12 / 2 / 2017

"مخرج على الطريق".. فنجان قهوة مع خان!

                          

أنهيت منذ أيام قراءة "مخرج على الطريق" الذي يضم حصيلة ما كتبه المخرج الكبير محمد خان من مقالات سبق أن نشرت في صحف مصرية و عربية عدة و الحقيقة أن النتيجة التي يخرج بها قارئ الكتاب تتفق تماماً مع التقديم الذي أورده طارق الشناوي و الذي جاء فيه ما معناه أن تجربة قراءة هذا الكتاب لا تقل عن تجربة مشاهدة الأفلام التي وقعها خان و أن قراءة مقالاته هي شرط ضروري لفهم أكبر و أشمل لعالم هذا السينمائي القدوة. في أوائل 2012 شهدت سينماراً ألقاه خان في معهد السينما خلال فترة دراستي هناك و قد سُعدت أثناء قراءة الكتاب بإعادة اكتشافي و تمعني بالعديد من المواقف و الحواديت التي ذكرها الراحل في محاضرته بدءً من تجربته بالعمل كمساعد للإخراج في أفلام مصرية لبنانية مشتركة في بيروت السبعينيات الرابضة على عتبة حربها الأهلية مروراً بسفره إلى لندن في محاولة للحاق بقصة حب أينعت بذورها الأولى في بيروت ثم إلى صدامه مع أحد ضباط الشرطة في ميدان التحرير و هو الصدام الذي أومض في ذهنه فكرة فيلم "زوجة رجل مهم" فيما بعد و أيضاً إلى علاقاته بنادية شكري و عاطف الطيب و شركة "أفلام الصحبة" و مشروع مطعم الفلافل في لندن و الذي أبدى "صلاح أبو سيف" استعداده للمشاركة فيه وصولاً إلى هبوب ثورة الديجيتال في مطلع الألفية و شغفه للعمل بالكاميرا الخفيفة كوسيلة للنجاة من تحكم حيتان السينما التلقيدية من منتجين و موزعين و احتكارهم للعمل السينمائي بشكل شبه كامل و ما أثمر عنه ذلك الشغف من أفلام مثل "كليفتي" و "بنات وسط البلد" و أخيراً رائعته "فتاة المصنع" الذي قدر لي أن أشاهده مرتين ضمن عروض المهرجان القومي للسينما المصرية سنة 2014.
إذا كان النقاد و الباحثون يعتبرون أن السينما المستقلة قد بدأت بعد سنة 2005 مع أفلام إبراهيم بطوط و مجايليه فالحقيقة هي أنها قد بدأت فعلياً منذ فيلم خان الأول "ضربة شمس" و أخذت تجدّد شبابها و تصون رونقها مع كل فيلم جديد من أفلام خان منذ "الرغبة" إلى "زوجة رجل مهم" و "موعد على العشاء" و انتهاءً "بفتاة المصنع" و الحقيقة أن كتاب "مخرج على الطريق" هو نافذة أمل يطل منها السينمائيون الشباب على عوالم سينمائي قدوة لم يعرف الملل أو الكلل في معركته مع السينما التجارية التقليدية و آلية إنتاجها المعتمدة على المقاولة و يتجلّى الأمل تحديداً في المقالات التي كتبها عن الديجيتال و عن السينما المستقلة التي رأى فيها دائماً طوق النجاة من قيود الواقع الغارق في وحل الاستهلاك السريع و دورات رأس المال الخاطفة و رغم ذلك تحسب قيمة هذا الكتاب بقدر ما يثيره من متعة و دفء و ما ينقله من تفاصيل تجربة إنسانية و فنية فريدة فإذا كان الكتاب جلسة حوار بين كاتبه و قارئه فكتاب "مخرج على الطريق" هو جلسة بوح طويلة بين قارئ و مخرج اعتاد التكيّف على مدى عقود مع الآمال و الأحلام و الوقائع و تطور التكنولوجيا الجارف و هو حقاً فسحة أمل و دفعة شديدة التأثير نحو المستقبل!


عمرو علي
12 / 2 / 2017

حنين على السابعة صباحاً!


منذ أيام و أنا أشعر بحنين غامر لمعهد السينما و أيام الدراسة التي لم ينقضِ وقت طويل على انتهاءها فمنذ افتراقي عن المعهد في يوم تحكيم مشاريع التخرج (يوليو الفائت) و أنا أسترجع ذكريات الأيام التي قضيتها بين جدران هذا الصرح منذ وصولي إلى القاهرة قادماً من دمشق ذات يوم من أيام سبتمبر 2011 أيام ما كانت البوابة الرئيسية للمعهد من ناحية شارع ومبي (جمال الدين الأفغاني) تُفتح في الصباح الباكر استعداداً لدخول الطلبة القادمين من أنحاء القاهرة الكبرى للحاق بمواعيد محاضراتهم و رغم أن المسافة بين البيت و المعهد طيلة السنة الأولى لم تكن تستغرق أكثر من 5 دقائق (كنت أقطن في عمارة تقع قبالة المعهد تماماً) إلا أن المسافات بين القاعات و الأقسام و الأدوار الأربعة في الداخل استغرقت خمس سنوات من المثابرة و المواظبة على الولوج و الإلمام بكل التفاصيل بدءً من علب الخام المبعثرة هنا و هناك وصولاً إلى المخلفات و الإكسسوارات المرمية على السطح ففي السنة الأولى كنا ندرس في القاعتين الكبيرتين على يسار الباب الرئيسي حيث افتتحنا الفصل الأول بكتاب "تاريخ السينما العالمية" و الذي يفند بالتفصيل التجارب و الاختبارات التي أثمرت في النهاية ولادة آلة السينماتوغراف على يد الأخوين "لوميير" و تطور الأفلام السينمائية الأولى على يد "جورج ميليه" وصولاً إلى محاولات "جريفيث" في المونتاج و وضع الكاميرا على عربات في أفلام حربية ضخمة، قياساً لذلك العصر، مثل "كابوريا"! و في الفصل الثاني انتقلنا إلى قسم التصوير حيث خضنا برفقة الأستاذ "أحمد عواض" غمار دروس عملية على كاميرا السينما 35 ملم و اختبرنا التأثير البصري الناتج عن استخدام العدسات مختلفة الأحجام و سرحنا في خيالنا مع الأمثلة التي أوردها الأستاذ عن بعض لقطات فيلم "الرغبة" لأستاذنا "علي بدرخان" و عن كيفية توظيف عدسات التيليفوتو (طويلة البعد) في خلق إيهام بإمتلاء خلفية الكادر بالمجاميع و في الفصل ذاته دخلنا القاعة 35 للمرة الأولى برفقة الراحل "هشام أبو النصر" و تفرجنا منذ دروس مقرر التذوق في سنتنا الأولى و حتى السنة الأخيرة على تجارب سينمائية من الغرب و الشرق بدأت مع مدرعة "إيزنشتين" و انتهت مع الفيلم الأرجنتيني الرائع "حكايات برّية" و معظم تلك العروض كانت تُتبع بنقاشات تديرها "مها الشناوي" و تشمل كافة العناصر الفنية دون استثناء في محاولة للارتقاء بالذائقة و الوقوف على كنه ما يتوارى بين السطور أما ما كان يحدث بين جدران المعهد و دهاليزيه فهو أمر أخر تماماً فعند الباب المفضي للحديقة الخلفية حيث كافيتيريا عم "عبده" التقيت أول مرة بالصديق "يامن المغربي" الذي كان في السنة الثالثة فرحت أخمن مستفيداً من أحاديثه ما قد يقع في سنواتي التالية و عرفت الكثير عن الأساتذة و المدرسين و فحوى المقررات المفروضة علينا و في المساء اعتدنا على أن نلتقي على قهوة "جمعة" أو "صدفة" الشعبيتين و اللتين تحولتا مع وصول دفعة الطلبة السوريين في السنة الثانية إلى ندوات مفتوحة و دائمة للنقاش الفني و الفكري و السياسي، أحياناً، في وقت كنا نمر فيه بأقسى حالات الاصطفاف التي، رغم فجاجتها، لم تُفسد للود بيننا قضية و عند عم "منصور" بائع الفول و سندويشات الطعمية و البطاطس التقيت مع "يامن عبد النور" الذي عرفته في "دمشق" معرفة عابرة تعززت خلال دراستنا في المعهد و داومت هناك على لقاء أولاد دفعتي "هادي" و "كوثر" و "يوسف" لتناول الفطور على الصباح الباكر قبل يوم طويل نقضيه مع دروس "مجدي عبد الرحمن" أو "سمير سيف" أو "خالد بهجت"!
ذهبت تلك الأيام و استلبتنا الحياة العملية التي نتلمس خطواتنا في دهاليزيها و التي تعدنا، بلا شك، بمزيد من الاستلاب إلا أن ذكريات تلك الأيام تطل برأسها من مخبأها لتطرد النوم بعيداً عن أعين ترنو نحو الماضي و المستقبل في آن لتجعل من هذا التدوين دفقة شوق جديدة و وعداً بالعطاء!

عمرو علي
14 / 2 / 2017  

السينما المصرية المستقلة: آلية إنتاج أم اتجاه فني؟


أقام المعهد العالي للسينما بالقاهرة في  2012 سيمناراً للمخرج محمد خان تحدث خلاله عن فيلمه (كليفتي 2004) و هو أول فيلم مصري طويل يصور بكاميرا ديجيتال في وقت كانت فيه نظرة السينمائيين لتقنيات الفيديو مشبعة بالاستخاف و قد انطلق مخرج الفيلم الذي سبق و أن خاض في الثمانينيات صراعاً مع المنتجين التقليدين من رغبته بخلق ظرف إنتاجي قليل التكلفة يحرر الإبداع من القيود التي تفرضها آلية الإنتاج التجارية و من إدراكه للدور الكبير الذي ستلعبه تقنية الديجيتال بعد ذلك و قد تحققت تلك النبوءة فعلاً بعد أقل من عشر سنوات على إنتاج الفيلم و صار مصطلح "السينما المستقلة" متداولاً بكثافة خاصة بعد فيلم (عين شمس 2007) لإبراهيم بطوط و الذي صور بآلية و تقنيات بسيطة نسبة للآلية و التقنيات المتبعة في العمل التقليدي و لكن و بعد عدة أفلام سارت على نهج تلك التجارب التف المنتجون التقليديون حول المصطلح فتمسكوا بالقشور و رموا بالمضون لتصبح "السينما المستقلة" رديفة للسينما منخفضة التكاليف بغض النظر عن موضوعاتها بمعنى أن المنتج أصبح ينتج الفيلم باعتباره فيلماً مستقلاً لغاية تقليل النفقات و المصاريف الإنتاجية بينما يصنع في الحقيقة فيلماً تجارياً بنفس منطق التفكير الذي كان سائداً في التسعينيات و بذلك تم إفراغ المصطلح من معناه و تحول الفيلم المستقل لكابوس بالنسبة للفنيين اللذين يتقاضون نصف أجرهم المعتاد في هذا النوع من الأفلام و تحول الأمر من رغبة بخلق ظرف إنتاجي مريح إلى واقع يفرض ظرفاً إنتاجياً متقشفاً و من الرغبة بالتحرر من القيود إلى عمل قطع شوطاً على صعيد الشكل دون حصول طفرة موازية في المضمون و رغم انتباه المخرجين الشباب اللذين حملوا لواء "السينما المستقلة" منذ بداياتها لهذه النقطة إلا أن الأمر لم يتعدَ حدود مطالبتهم بحماية "السينما المستقلة" من اعتداءات سافرة شوهت المعنى و جعلته خاوياً و فارغاً بينما لجأ البعض الأخر لتأسيس شركات إنتاج مثل (فيلم كلينك) و (زاد للإنتاج) لضمان إخراج أفلامهم على النحو الذي يأملونه و أخيراً اتجه من تبقى لمنح الإنتاج و الدعم الذي تقدمه مهرجانات سينمائية عربية و أجنبية ليتمكنوا من مواصلة العمل و لا شك أن ذلك أدى إلى إجهاض مشروع طموح بتأسيس "سينما مستقلة" حقيقية تنأى بنفسها عن القيود بما في ذلك ما تفرضه المهرجانات من مضامين معيّنة أو رؤى ترغب بدعمها و أحياناً أشكال فنية قد يحلو لها احتضانها و تحولت "السينما المستقلة" إلى فيلم يتم إنتاجه كل سنة أو سنتين يحمل ملامح و حماسة التجربة في بداياتها كالفيلم التسجيلي (عن يهود مصر 2013) لأمير رمسيس و فيلم (باب الوداع 2014) لكريم حنفي و المفارقة أن معظم هذه الأفلام فشلت في دور العرض حيث أنها لم تصمد لفترة طويلة بينما حصد الكثير منها جوائز رفيعة في مهرجانات سينمائية مختلفة و الحقيقة أن تجربة "السينما المستقلة" في مصر أثبتت أنها اتجاه فني أكثر منها آلية إنتاج فالقاسم المشترك بين أفلام مثل (الشتا اللي فات) لإبراهيم بطوط و (ديكور) لأحمد عبد الله و (الخروج إلى النهار) لهالة لطفي هو الرغبة في مقاربة مواضيع تحجم عنها السينما التقليدية و تناول هذه المواضيع برؤية ذاتية لا تنفصل عن الواقع كونها وليدة واقع اعتادت السينما التجارية طيلة سنوات على تجاهله و تجنب الغوص في أعماقه بجدّية بحجة أنه لا يصلح لأن يكون مادة فيلم سينمائي يجذب الجمهور و يحقق النجاح الجماهيري المأمول مع الأخذ بعين الاعتبار أن طرق الحصول على الإنتاج اختلفت من فيلم لأخر فبينما تولى الممثل عمرو واكد إنتاج فيلم (الشتا اللي فات) من خلال شركته (زاد للإنتاج) قامت هالة لطفي بإنتاج فيلمها (الخروج إلى النهار) بنفسها بينما أنتجت شركة (نيو سينشري) المحسوبة على السينما التجارية فيلم (ديكور) و قد تخلى بذلك مخرجو "السينما المستقلة" عن آلية الإنتاج التي اتبعوها في البداية لصالح حفاظهم على تقديم السينما التي يشتهونها بالتعاون مع جهات إنتاجية أدركت أهمية دعم سينما بديلة ترتقي بالإنتاج السينمائي عن المستوى المتدني الذي وصل إليه خلال الخمس سنوات الأخيرة و لكن تبقى هذه الأفلام حالات فردية قليلة لا يجد صنّاعها في كل مرة جهات جاهزة لتقديم التمويل اللازم و ذلك ما أعاد بعض المخرجين إلى العمل في السوق السينمائية رغم مساهمتهم بتأسيس "السينما المستقلة" و رفدها بأفضل إنتاجها مثل المخرج أمير رمسيس الذي أنجز بوقت قياسي فيلميه (بتوقيت القاهرة 2015) و (خانة اليك 2016) و هما فيلمان بعيدان عن السينما المستقلة تماماً و المخرج عماد البهات الذي أثار فيمله (إستغماية 2006) جدلاً كبيراً عند عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي 2006 و لكنه عاد بعد عام و أنجز فيلمه (البلياتشو 2007) و هو فيلم تجاري بالمعنى المتعارف عليه و يبدو بوضوح أن الصراع الذي يخوضه السينمائيون المصريون اليوم هو تكرار لصراع سبق و أن خاضه أساتذة من جيل أخر مثل الراحل عاطف الطيّب و محمد خان و داود عبد السيّد استطاعوا من خلاله تأسيس "سينما جديدة" حققت للسينما المصرية سمعتها الحالية و نقلتها إلى آفاق أكثر رحابة.

عمرو علي
مجلة تحت ال 35 - العدد الثالث

السينما المستقلة في سورية: تجربة شخصية!


في بداية سنة 2008 أنجزت فيلماً روائياً قصيراً اسمه (شتاء حار) و في حوزتي سيناريو الفيلم و كاميرا فيديو منزلية (هانديكام) مدفوعاً بمقالات قرأتها على الإنترنت حول تجربة "السينما المستقلة" في مصر و كان الهاجس هو القدرة على صناعة فيلم بالاعتماد على كاميرا و سيناريو فقط دون الحاجة لوجود عشرات العمال و الفنيين كما هو الحال في العمل التقليدي و أثناء مونتاج الفيلم أصبح السؤال يدور حول إمكانية صناعة "فيلم حقيقي" بمثل هذه الظروف و قد دفعتني تلك التجربة لكتابة و إنجاز فيلم (8 ميليمتر ديجيتال) الذي تدور قصّته حول مخرج سينمائي يصنع فيلماً بواسطة كاميرا فيديو – هي نفسها الكاميرا التي صورت بها تلك التجربة – و رغم أن ظروفاً إنتاجية مثالية توفرت لفيلم (8 ميليمتر ديجيتال) إلا أن موضوعه كان برمته يدور حول صناعة فيلم بواسطة كاميرا فقط أي بأسلوب عمل يشبه الأسلوب القائم في "السينما المستقلة" أو حتى أكثر تقشفاً منه و شكّلت مشاركة الفيلم في مسابقة مهرجان دمشق و مهرجانات أخرى دافعاً قوياً لي و لمجموعة العمل لتأسيس "تجمع السينما الجديدة New Cinema Group" و هي جهة إنتاج مستقلة قامت على جهود فردية تمكنت عبرها من مواصلة إنجاز الأفلام بنفس الطريقة و خلال الفترة بين (2007) و (2010) ظهرت مجموعة أفلام صنعها شبّان سوريون بالاعتماد على نصوصهم و كاميراتهم مثل (ذكريات لا يحملها الماضي 2008) لباسم السلكا و (فوضى 2009) لعصام خليل الذي عُرض عرضاً خاصاً على هامش مهرجان دمشق إضافة إلى (رائحة الموت 2010) و (عين الذئب 2010) اللذين أنجزتهما بالتعاون مع التجمع و الحقيقة أن هذه التجارب تتقاطع في مقارباتها لمواضيع ذات صبغة تجارية كقصص الحب و عذاباتها بالنسبة لجيل الشباب و عوالم الجريمة و السرقة و القتل و تعاطي المخدرات و رغم أن غياب معهد للسينما في (سورية) يكفل إعداد جيل يملك ثقافة سينمائية مختلفة و متنوعة يعد سبباً رئيسياً لجنوح تلك التجارب نحو هذا الاتجاه إلا أن السبب المباشر هو إحجام السينما السورية – المنتجة من قبل مؤسسة السينما – عن تناول مثل تلك المواضيع في أفلامها رغم أنها قضايا واقعية تستحق الحضور على الشاشة الكبيرة و ذلك ما عززّ الرغبة بإنتاج أفلام ذات صبغة تجارية جماهيرية تقيم جسراً للتواصل مع الجمهور – خاصة الشباب – من خلال الابعتاد عن موضوعات السيرة الذاتية و الصراعات الإيديولوجية على صعيد المضمون و تجنب الرمزية و التعقيد على مستوى الشكل و يوضّح ذلك أن الدوافع نحو "السينما المستقلة" في سورية هي عكس الدوافع التي وقفت وراء ولادة "السينما المستقلة" في مصر فإذا كانت رغبة السينمائيين المصريين – و معظمهم من خريجي معهد السينما – هي التحرر من سطوة السينما التجارية و موضوعاتها الضحلة فإن رغبة السينمائيين السوريين – و معظمهم من الهواة – كانت خلق مثل تلك السينما لضمان التواصل مع الجمهور الذي لا تأبه به سينما المؤسسة إلا أن الرغبة في "التبسيط" الزائد أدى إلى إضفاء قدر من السذاجة على تلك التجارب بعد اكتمالها – دون أن نغفل ضحالة تجربة صنّاعها في تلك الآونة – و إلى اعتبارها أفلام "هواة" تحاول من خلال موضوعاتها محاكاة تجربة الدراما التلفزيونية و تكثيفها زمنياً و تحويلها إلى أشرطة فيلمية يقام لها عروض خاصة أو تشق طريقها للعرض عبر "يوتيوب" الذي أضحى المنبر المفضّل لصنّاع تلك الأفلام و رغم أن هذا الرأي يصيب قدراً كبيراً من الصّحة إلا أن عملية الأرشفة الضرورية اليوم لبدايات "السينما المستقلة" في سورية لا بد أن تنصف تلك التجارب على اعتبارها محاولات متواضعة لتأسيس اتجاه جديد قائم على الجهود الفردية الخالصة لا شكّ أنه كان ملهماً لتجارب أخرى أكثر نضوجاً ظهرت بعد ذلك و إضافة إلى تقاطع تلك الأفلام بموضوعاتها فقد تقاطعت أيضاً بآلية إنتاجها حيث أدرك صنّاع الأفلام الشباب صعوبة الحصول على دعم من مؤسسة السينما أو أيّة جهة إنتاج خاصة ففي سنة 2009 ظهر مشروع طموح – كنت شاهداً على مراحله - قدّمه المخرج طلال ديركي للمؤسسة و لعدة شركات إنتاج يهدف للحصول على دعم لأفلام قصيرة كتبها سينمائيون شباب إلا أن المشروع لم يرَ النور بسبب عدم الاهتمام الذي قوبل به من قبل المؤسسة و بعض الجهات الأخرى بينما أبدت جهتان إنتاجيتان فقط من أصل خمسة قُدم لها المشروع استعدادها للدعم و حفزّت تلك الخيبة الشباب على صنع أفلامهم بأنفسهم و الكفّ عن انتظار تمويل لن يأتي و الشيء الأقرب للدّقة أنه و إذا كانت تصنيفات النقّاد التي نشرت في العديد من المقالات تميل لاعتبار فيلم (البشرة المالحة 2002) لنضال حسن بداية "السينما المستقلة" إلى جانب أفلام "ورشة سينما أيلول" و الأفلام التي عرضت ضمن "تظاهرة مجلة الوردة" بدمشق سنة 2006 فإن الأفلام التي صنعها شبّان حملوا كاميراتهم و خروجوا إلى الشوارع بصحبة نصوصهم هي اتجاه أخر ربما يعتبره البعض جزءً من حركة "السينما المستقلة" و ربما يعتبرونه محض تجارب تعبّر عن حبّ الشباب السوري للسينما و شغفهم بصناعة الأفلام و استكشافهم الطريق إليه لكنها و بكل الأحوال تجارب قائمة تستحق النظر إليها.

عمرو علي
مجلة تحت ال 35 - العدد الثاني