الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

الدراما العربية في مهب الريح




قرأت اليوم خبر انعقاد اجتماع طارئ يضم إداريين و أعضاء في النقابات الفنية المصرية للبحث و التداول في أزمة الدراما المصرية الأعنف و الأشد عبر تاريخها فقد انخفض عدد المسلسلات التلفزيونية المنتجة للموسم القادم 2019 إلى نحو خمسة عشر مسلسلاً فقط بينما كان العدد في الأعوام الماضية يفوق ثلاثين مسلسلاً سنوياً، و تباحث المجتمعون في الأجور الخيالية التي يتقاضاها كبار النجوم و في أسعار الإيجارات الباهظة لمواقع التصوير رغم أن عجلة الإنتاج الفني لم تتوقف يوماً نتيجة لهذه الأسباب بل كان المنتجون يواصلون عملهم و يبيعون أعمالهم و يكسبون و يشرعون بالتالي في التحضير لإنتاجات جديدة دون أن تواجههم عقبات أو مشكلات جسام.
لا أعرف السبب وراء غياب الحديث عن الاحتكار بوصفه أكبر الأزمات في صناعة الدراما المصرية اليوم و هذه أزمة ظهرت لمّا تحول بعض أصحاب و مدراء شركات الإنتاج إلى مدراء لفضائيات كبيرة تشكّل السوق الرئيسي بالنسبة للمنتج المحلي و تتحول في أحيان كثيرة إلى جهة شريكة في الإنتاج عبر شراءها لحقوق عرض المسلسل خلال رمضان و دفع سلفة تساهم في تغطية المصاريف خلال التصوير، و ما حدث في الموسم الماضي هو أن بعض الفضائيات التي اشترت أعمالاً لغاية عرضها في رمضان و تحولت إلى شريك إنتاجي، رفضت عرض المسلسلات التي اشترتها لصالح عرض المسلسلات التي أنتجها أصحاب و مدراء هذه المحطات، و بالتالي خرجت تلك الأعمال من المنافسة و رفضت إدارات القنوات السماح لمنتجيها ببيعها لفضائيات أخرى محلية أو عربية بحجّة أنها ليست ملكاً صرفاً لها فإما: أعيدوا لنا السلفة التي دفعناها.. و إما انتظروا حتى نقرر نحن عرض أعمالكم متى نشاء قبل أن تبيعوها لفضائيات أخرى غيرنا..  
لقد أدى الاحتكار في السابق إلى تدهور كبير و ملحوظ لصناعة السينما حين أصبح بعض المنتجين أصحاباً لدور العرض و راحوا يفرضون شروطهم و يتحكمون بعملية التوزيع و يستبعدون الأفلام التي قد تنافس أفلامهم في تحقيق إيرادات كبيرة عبر شباك التذاكر من مواسم الذروة و يقذفون بها إلى الصالات في المواسم و الأوقات الميتة ثم سرعان ما يسحبونها بعد انقضاء فترة قصيرة بدعوى خسارتها في الشباك و الأكيد أن الخاسر الأكبر من هذه العملية هو الشركات الصغيرة و السينما المستقلة التي تعتمد كلياً على نجاح الفيلم السابق في التحضير للفيلم اللاحق و بالتالي في استمرار دوران عجلة الإنتاج و تدفقها، و ما زالت صناعة السينما المصرية تعاني من التبعات المهولة و التداعيات الكارثية لسياسة الاحتكار حتى اليوم.

تذّكرت و أنا أقرأ عن أزمة الدراما المصرية أزمتنا المزمنة في درامانا السورية.. هذه الأزمة التي تبدو بلا حلول و بلا آفاق للحل فلا أحد من أصحاب القرار يقرأ يُكتَب في هذا الصدد بل كثيرون منهم يبدون و كأنه لا تعنيهم أزمة دراماهم بالأصل و يستمرون بالعمل وفق الآلية و الطريقة القديمة التي قادت صناعة الدراما السورية إلى فشل كبير و واقع متردي يزداد سوءً موسماً وراء موسم، و إن كان حصار الفضائيات العربية للدراما السورية منذ بداية الأزمة يشكّل سبباً كبيراً من أسباب هذا التردي فإن المستوى الفني الذي يُقدَّم يتحمل الجزء المتبقي و تقع مسؤولية هذا على كل العناصر الفاعلة و العاملة في الصناعة بدءً بالمنتجين مروراً بكتَّاب السيناريو و الممثلين و الفنيين وصولاً إلى المخرجين.. أكتب هذا بينما يحضرني المثل الشعبي القائل: إن أُغلِقَ باب.. يُفتَحُ ألف باب! و أتخيّل مدى الانفراج و الانتعاش الذي قد يصيب صناعة الدراما عندنا فيما لو استغل المنتجون آفاق و قدرة الويب سيريس (المسلسلات الرقمية المخصصة للعرض على اليوتيوب و منصات الإنترنت) في الشهرة و الانتشار و تحقيق المكاسب المادية أيضاً، حتى لو اتجه البعض إلى هذا المضمار في البداية من باب التجريب و الاختبار، فما تمرُّ به صناعة الويب سيريس الآن يشبه كثيراً بدايات الدراما السورية حين كان الكثيرون يتخوفون من التلفزيون بل و يتكبرون و يرفضون العمل له مع فارق أساسي و جوهري هو أن وسائط العرض الجديدة الآن – الكومبيوتر و الموبايل و التابليت – أصبحت بمتناول الجميع عكس أجهزة التلفزيون التي كانت في الستينينات و السبعينيات حكراً على طبقة اجتماعية معّينة و هذا يعني أن مسافة طويلة من الطريق قد قُطِعَت سلفاً و لم يتبقَ لنا سوى التحلّي بقليل من الجرأة و الحكمة و بعد النظر ثم إدراك أن المسلسل التلفزيوني بشكله الحالي يخطو سريعاً نحو الاندثار و أن كل هذه الأزمات التي تعصف بصناعة الدرامات العربية ستسّرع هذا الاندثار المرتقب فهل نجلس في بيوتنا لنندب حظنا و ننتظر؟ أم نسعى إلى فتح آفاق جديدة قد تجعل التلفزيون و الفضائيات نفسها تسعى وراءنا لتستثمر نجاحنا في مساحات بديلة أكثر تطوراً و أهمية و رحابة؟ ألم تحقق مسلسلات مثل بدون قيد و الشكّ نجاحاً جماهيرياً و فنياً و مادياً ربما يفوق بمراحل ما تحققه المسلسلات التقليدية متوسطة المستوى؟

عمرو علي 
2018 / 11 / 28

السبت، 24 نوفمبر 2018

همومي الجميلة: نظرة أخرى على المونتاج



لا يمكن لأي متابع أو مهتم أو حتى لأي مشاهد عادي للسينما السورية ألا يتوقف عند اسم المونتير و المخرج الأستاذ مروان عكاوي باعتباره قاسماً مشتركاً بين معظم الأفلام السورية، سواء أفلام مؤسسة السينما أو أفلام القطاع الخاص، فهذا الرجل هو بلا شكّ أبو المونتاج في سوريا، و هذا ليس لأنه ترأس قسم المونتاج في مؤسسة السينما لأكثر من عشر سنوات و حسب، و لا لأن العديد من فنيي المونتاج السوريين تتلمذوا على يديه وسط البكرات و بين علب الخام و في معامل التحميض، بل لأنه يشكّل حالة فريدة و خاصة في السينما السورية و العربية عموماً، و ذلك منذ أن تفتح وعيه على عالم السينما في عتمة غرفة العرض برفقة أب خاض غمار تجربة صنع فيلم بصحبة أيوب البدري و رشيد جلال قبل نحو قرن من الزمن، وصولاً إلى اليوم حيث ما يزال يعمل في المونتاج برفقة أولاده في اليونان و يسعى بجدّ و حب لإخراج فيلم جديد يعود به إلى سينماه الأولى بعد انقطاع طويل، و بين هذين الزمنين قام مروان عكاوي بتوليف أكثر من 60 فيلماً سينمائياً طويلاً كما أخرج خمسة أفلام روائية طويلة هي سرب الأبطال، عشاق، زواج على الطريقة المحلية، عندما تغيب الزوجات و إمبراطورية غوار.
قبل سبع سنوات أصدر كتابه: همومي الجميلة.. نظرة أخرى على المونتاج، منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما 2011، و يوجز في صفحاته رؤيته لفن المونتاج التي تبلورت عبر سنوات طويلة من العمل في هذا الفن – المهنة، و الملفت في الكتاب هو اعتماد مؤلفه لغة سلسة و بسيطة تنأى عن التنظير و تجافي الأسلوب التقريري رغم أنه يشير في كثير من الأحيان إلى معلومات و قواعد علمية و أكاديمية صرفة تشكّل بمجملها الركيزة الأساسية لأي منهاج تعليمي مُتبع في معاهد و مدارس السينما حول العالم مثل قواعد القطع السلس و اختلاف وظيفة المونتاج بين أنواع الفيلم المختلفة كالروائي و التسجيلي و التعليمي إلخ... و الحقيقة أن الكتاب ليس سيرة ذاتية كما قد يظن البعض، كما أنه لا يرتكز بمجمله على تجربة كاتبه الرائدة و الغنية في المونتاج بقدر ما يعرض وجهة نظره حول مفهوم المونتاج و دوره و وظيفته باعتباره المرحلة الأكثر أهمية من بين مراحل صناعة الفيلم كافة، و كل ذلك يعتمد بلا شك على تجربة مروان عكاوي نفسه و لكن دون تخصيص مساحة واسعة للحديث عن ثنايا و خبايا هذه التجربة.
يغوص المونتير- الكاتب عميقاً في مفهومي القطع و الوصل و هما حجر الأساس في المونتاج، و يسوق لنا أدلة من الحياة و الواقع حيناً، و من المراجع مثل كتاب فن الفيلم لآرنست لندجرن و آليات المونتاج السينمائي لكارل رايس حيناً أخر، حول سبب تقبلنا لمفهوم القطع و الوصل عموماً و يخلص بالنتيجة إلى كون القطع بحدّ ذاته تجربة و عملية ذهنية يمارسها العقل الإنساني بشكل متواصل طيلة اليوم تقريباً و يعتبر الأحلام واحدة من أكثر هذه التجارب شهرة: "فالصور التي نراها في الأحلام هي صور مبعثرة تتقاطع و تتواصل بين بعضها أثناء النوم بطريقة غريبة و آنية أكثر من الصور التي نراها في الواقع أثناء الصحو، و هي تشابه تقريباً العلاقات التي تنتج عن القطع السينمائي"، و في موضع آخر يشير للقواعد التي تجدر مراعاتها عند تنفيذ القطع و يضع في مقدمتها العاطفة باعتبار "أننا نتبع السيالة العاطفية التي تدفعنا لرؤية الفعل و الفاعل و النتيجة و رد الفعل حسب تسلسل منطقي" كما يحدث في الواقع تماماً، ثم يذكر القصة و الإيقاع و التتابع في الدرجة الثانية، و يتفق مع اللذين يعتبرون المشهد السينمائي معادلاً للجملة في الأدب و اللقطة السينمائية معادلاً للكلمة و يرى أن اللقطة التي لا تدفع القصة إلى الأمام بتقديم معلومة جديدة للمتفرج هي مجرد زمن فائض عن الحاجة من الأجدى التخلي عنه، و يعتقد أن الغاية من وصل لقطتين ببعضهما هي توليد معنى ثالث غير موجود في هاتين اللقطتين المنفصلتين و هذا جوهر نظرية المونتاج السوفيتية المعتمدة بالأصل على تجربة ليف كوليشوف الشهيرة، و يرى كاتبنا أن هذا المعنى الثالث المراد توصيله للمتفرج هو هدف المونتير من عملية الوصل هذه و هي في النهاية رسالة من ضمن عدة رسائل يوجهها المونتير إلى المتفرج يقدّم له من خلالها معلومة جديدة تفيد في تعميق فهمه للحدث الدرامي و تحقيق تفاعل أكبر مع القصة، و معنى هذه الرسالة قابل للتغيير عن طريق تغيير مكان القطع فكل تطويل أو تقصير لزمن اللقطة يؤدي إلى خلق معنى مختلف عند المشاهد، كما أن التنويع بين أحجام اللقطات يؤدي إلى إحداث مثل هذا التغيير من خلال كشف جانب من الحقيقة أو توليد شعور عاطفي معيّن، و الأكيد أن بعض هذه الحقائق أو الملاحظات قد تبدو معلومات أساسية أو حتى بديهية بالنسبة للدارسين و المختصين، و لكنها تكتسب أهمية إضافية في سياق هذا الكتاب كونه موجه بالأساس إلى الجمهور العريض من المهتمين و الراغبين بفهم معنى التوليف من غير أهل الاختصاص، و إذا ما نظرنا إليه من هذه الزاوية فهو يقدم بكل تأكيد مرجعاً هاماً لفهم فكرة المونتاج و تلّمس معنى هذه العملية المعقدة من الخلق و التركيب و الإبداع.
يتناول الفصل الأخير واقع و آفاق المونتاج الرقمي و يتضح خلال القراءة أنه قد تمّت كتابة هذا الجزء في فترة كانت لا تزال صناعة السينما خلالها تعتمد على طرق التصوير و العرض التلقيدية بينما كان المونتاج يتم رقمياً بواسطة الكومبيوتر بعد تحويل المواد المصورة عبر جهاز التيليسن إلى ملفات رقمية و قد اعتمدت هذه الطريقة في الخارج و في مصر أحياناً لفترة قصيرة نسبياً قبل أن تتحول صناعة السينما بشكل شبه كلي إلى الديجيتال حتى في التصوير و العرض، و هذا ما تبنأ به الكاتب منذ ذلك الوقت معتبراً أنه نتيجة طبيعية لتطور التكنولوجيا السريع الذي قد لا تتوقف حدوده عند تحول المونتاج من الطريقة التقليدية بالاعتماد على المافيولا أو طاولات المونتاج الأفقية إلى المونتاج الرقمي بما يعينه ذلك من استغناء عن جيش من التقنيين و المساعدين فحسب،  و إنما قد يتعدى التطور ذلك إلى تحويل عملية صناعة الفيلم برمتها من عمل جماعي إلى عملية فردية يقوم بها شخص واحد فقط هو صانع الفيلم رغم ما يمثلّه ذلك من تشويه لقيمة و فرادة العمل السينمائي لجهة كونه عملاً إبداعياً جماعياً تساهم بصناعته أدمغة و أفئدة حالمة و متقدة.

يفتح هذا الكتاب بوابة للولوج إلى آلية تفكير مونتير قام بتوليف أكثر الأفلام السورية شهرة و أهمية على مدى عقود طويلة من الزمن، و يفسح المجال أمامنا لمشاركته في رؤيته و أفكاره و وجهة نظره التي تمخضت عنها أفلام خالدة عبر تاريخ السينما السورية، و يكشف لنا جانباً من الأسباب التي تجعل هذا السينمائي الكبير واحداً من قلة ساهمت بتأسيس سمعة السينما في بلادنا و وضعتها بسرعة قياسية على خارطة الفن السينمائي في العالم.

عمرو علي
2018 / 11 / 25

الجمعة، 19 أكتوبر 2018

تجربة التلفزيون السوري في الإنتاج السينمائي



ربما يثير هذا العنوان للوهلة الأولى دهشة بعض القرّاء فالمتعارف عليه عندنا هو أن التلفزيون للتلفزيون و السينما للسينما و لعل هذا القول تحديداً هو الذي أدى إلى الإطاحة بتجربة التلفزيون في حقل الإنتاج السينمائي لمرّتين. في الماضي كانت الأفلام السينمائية تصور على أشرطة السيلولويد قياس 16 أو 35 مم التي حلت كبديل عن أشرطة نترات الفضّة كما كانت الأفلام الإخبارية و الوثائقية المخصصة للعرض التلفزيوني تصّور بنفس الطريقة و من هنا جاءت حاجة التلفزيون السوري بعد تأسيسه بفترة وجيزة لكوادر سينمائية مختصة في هذا المجال و أعلن في الستينيات عن بعثات لدراسة السينما في موسكو لصالح التلفزيون بينما استمرت في هذه الأثناء دائرة الخدمات السينمائية التابعة للتلفزيون بإنتاج بعض الأفلام التسجيلية و الروائية التي أنجزها مخرجون مثل صلاح دهني، قيس الزبيدي، أمين البني، خلدون المالح و غسان باخوس و من أبرز هذه الأفلام محاولة عن سد الفرات 1970 لعمر أميرالاي كما يشير جان ألكسان في كتابه عن السينما السورية إلى أن التلفزيون أنتج في ذلك الوقت فيلم الرجل و هو فيلم روائي طويل من إخراج فيصل الياسري.
تأسست دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون سنة 1974 بعد عودة السينمائيين الموفدين إلى الاتحاد السوفيتي لصالح التلفزيون، و بينهم سينمائيين كبار أبرزهم محمد ملص و هيثم حقي، و باشرت الدائرة بإنتاج أفلام تسجيلية و روائية قصيرة أنجزها المخرجون العائدون حديثاً إلى جانب المخرجين المذكورين سابقاً اللذين استمروا بالعمل و من بين هذه الأفلام الدجاج لعمر أميرالاي، القنيطرة 74 و الذاكرة لمحمد ملص كما أنجز هيثم حقي لهذه الدائرة الكثير من أفلامها القصيرة مثل مهمة خاصة  - النار و الماء - السدّ و الأرجوحة و الفيلم الروائي الطويل التقرير أو ملابسات حادثة عادية و يشير المخرج هيثم حقي إلى أن إدارة التلفزيون لم تكن راضية عن توجه هذه الأفلام و هذا أحد أسباب توقف الدائرة عن الإنتاج إلى جانب أسباب أخرى أبرزها دخول الكاميرا المحمولة و تقنية تصوير الفيديو و مع ذلك استمرت الدائرة في الثمانينيات بإنتاج أفلام سينمائية تسجيلية غلب عليها الطابع التقريري أنجزها مخرجون انضموا إلى التلفزيون في تلك الآونة منهم غزوان بريجان، محمد بدرخان، محمد اسماعيل آغا و علاء الدين الشعار و قد أصبح، في ذلك الوقت، للحديث عن الأفلام السينمائية و التلفزيونية قاعدة علمية إذ حُصِرَ الإنتاج السينمائي بمؤسسة السينما لكونه عملية مكلفة تتطلب استيراد علب الخام و وجود معامل للطباعة و التحميض و جيش من و التقنيين المختصين سينمائياً بينما أقدمت دائرة الإنتاج التلفزيوني ضمن الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون على إنتاج أفلام تلفزيونية تسجيلية و روائية اصطلح على تسميتها سهرات تلفزيونية و قد ازدهرت هذه الظاهرة كثيراً في التسعينيات و أقبل على إنتاجها القطاعين العام و الخاص على السواء و بالتأكيد لم تكن هذه السهرات صالحة للعرض السينمائي لأنها مصورة على أشرطة فيديو حتى و إن كان تنفيذها يتم بطريقة سينمائية عبر استخدام الكاميرا الواحدة و التصوير في المواقع الطبيعية و قد توقف إنتاجها بشكل شبه تام مع بداية القرن الحالي لأسباب تسويقية على الأرجح.
شهدت تقنية الديجيتال في السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً و صارت تُعتَمَد في كثير من الصناعات المتقدمة كبديل عن طريقة التصوير السينمائي التقليدية خاصة مع ظهور و انتشار وسائل العرض الرقمي في الصالات و أدى ذلك لتوحيد طريقة العمل السينمائي و التلفزيوني إذ أصبحت الأفلام السينمائية تُصَور بكاميرات الديجيتال و زالت الحاجة لعلب الخام و معامل الطباعة و التحميض و مع إحداث المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني و الإذاعي في سوريا سنة 2010 و مجيء إدارة متحمسة و واعية لضرورة عودة التلفزيون إلى إنتاج الأفلام تمَّ وضع عدة أفلام على قائمة الإنتاجات الجديدة و ظهر سنة 2011 الفيلم الروائي الطويل طعم الليمون من تأليف رافي وهبي عن فكرة لحاتم علي و إخراج نضال سيجري و عُرِضَ جماهيرياً في سينما الكندي و قد شكَّل ذلك سابقة و أنعش الآمال بإمكانية ظهور جهات تنتج الأفلام السينمائية غير مؤسسة السينما و بهمة عالية و نشاط دؤوب و وتيرة سريعة، لم نعتد عليها عند المؤسسات الحكومية، تابعت مؤسسة الإنتاج مشروعها في الإنتاج السينمائي و شاركت بتمويل الفيلم الروائي الطويل الحاسة الثانية من تأليف أحمد قصّار و إخراج أحمد درويش الذي تعطّل تصويره لفترة طويلة بسبب نقص التمويل قبل أن يُستَكمل بدعم من المؤسسة و عُرِضَ في تظاهرة آفاق على هامش أيام قرطاج السينمائية سنة 2012 كما أعلن عن مشروع أحلام سينمائية سورية قصيرة و هو مشروع طموح لإنتاج أفلام روائية قصيرة لصالح التلفزيون و أُنتِجَت خلال دورته الأولى أربعة أفلام هي رياح كانون المبكرة لأحمد الخضر، 29 شباط لمهند كلثوم، جدارية الحب لأوس محمد و دون عنوان لأحمد سويداني و شارك بعضها في مهرجان روتردام و أيام قرطاج و سرعان ما تلقفت مؤسسة السينما هذا المشروع بعد انتهاء دورته الأولى و قد أثار حفيظتها أن تقدم مؤسسة الإنتاج التلفزيوني على إنتاج أفلام قصيرة لأن ذلك، حسب رأيهم، ليس من اختصاصها و أطلقت المؤسسة المشروع نفسه باسم مشروع دعم سينما الشباب و أقامت له مهرجاناً خاصاً أغرِقَت شاشاته بسيل من الأفلام القصيرة متواضعة المستوى و هذا نتاج طبيعي لتقليص القيمة المادية للمنحة و هو ما أدى بدوره لتقليص أيام التصوير من أربعة إلى يوم واحد فقط و قد تخلّت الإدارات المتعاقبة على مؤسسة الإنتاج عن طموح الإنتاج السينمائي و تفرغت لإنتاج المسلسلات متناسية أن الغالبية العظمى من المحطات و المؤسسات التلفزيونية في العالم تشارك بإنتاج الأفلام السينمائية لأهميتها الثقافية و التنويرية و الأجدى اليوم أن تعيد إدارة مؤسسة الإنتاج إحياء مشروع إنتاج الأفلام بدلاً من السكيتشات و الثلاثيات و الرباعيات التي لم يعد شكلها يتناسب مع طبيعة العصر خاصة أنها كجهة رسمية قادرة على عرض أفلامها جماهيرياً في صالات الكندي و تلفزيونياً عبر الفضائيات التابعة لها كما تقدر على بيعها للمحطات الخاصة و هذا يعود عليها بفائدة اقتصادية تغطي جزءً من تكلفة الإنتاج و ترفد السينما المحلية بأفلام مختلفة و متنوعة قادرة على خلق حراك سينمائي لائق طال انتظاره.


عمرو علي
2018 / 10 / 19

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

أفلام ورشة الدراما من أجل التغيير الاجتماعي في المهرجانات العربية!



تمًّ مؤخراً عرض فيلمين من بين مجموعة أفلام قصيرة هي حصيلة ورشة الدراما من أجل التغيير الاجتماعي من تنظيم منظمتيّ مدني و البحث عن أرضية مشتركة و هما الحبل السرّي من تأليف رامي كوسا و إخراج الليث حجو الذي حجز لنفسه مكاناً هاماً وسط منافسة صعبة في مهرجان الجونة، و خيمة 56 من تأليف سندس ابراهيم و إخراج سيف الشيخ نجيب الذي حصد قبل أيام جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط بينما ما تزال بقية الأفلام تنتظر عروضها الأولى في المهرجانات خلال الفترة القادمة.
عُقِدَت الورشة في بيروت بين يوليو و سبتمبر 2017 و ضمّت عدداً من كتَّاب السيناريو اللذين توزعوا على مجموعتين منفصلتين عمل مع كل منهما السيناريست الهولندي براندون أوليفسه على تطوير مشاريع أفلام روائية قصيرة أنجز بعضها على مدى السنة الفائتة مخرجون انضموا للورشة خلال اللقاءات التشاورية التي نُظِمَت بعد انتهاء جدول الأعمال و تمخض هذا المشروع بالمحصلة عن إنتاج اثني عشر فيلم قصير، من قبل الجهتين المنظمتين للورشة بدعم من الإتحاد الأوروبي و بعض شركات القطاع الخاص، أنجزها الليث حجو، سؤود كعدان، واحة الراهب، سيف الشيخ نجيب، رافي وهبي، ماهر صليبي، اسماعيل ديركي، جمال سلوم، مجد الزغير، سفيناز محمد و كريم قبراوي كما أنجزتُ فيلمي اليقظة ضمن هذا المشروع و كنت واحداً من اللذين آثروا كتابة و إخراج أفلامهم بأنفسهم طالما لهم تجارب سابقة في هذا المجال، و إن كانت الأفلام جميعها تدور حول قضية المرأة السورية في ظل الحرب إلا أنها جاءت ضمن معالجات اختلفت باختلاف رؤى صنَّاعها لا سيما أنهم ينتمون لأجيال و تجارب مختلفة ففي الحبل السرّي، على سبيل المثال، ثمّة امرأة توشك على الولادة و تعجز عن مغادرة بيتها الواقع في جبهة قتال يسيطر عليها قنَّاص، أما في جدايل لإسماعيل ديركي فتحاول الأم الهرب مع ابنتها من مدينتها الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة وسط رحلة قد تودي بحياتهما، و في اليقظة امرأة تترك زوجها الذي يخطط لزواج جديد بعد أن يبيع فستان زفافها لتغطية تكاليف العرس، و الحقيقة أن أهمية هذا المشروع تتأتى من كونه شكّل فرصة للتواصل و الاحتكاك بين صنَّاع الأفلام، و معظمهم من العاملين في الدراما التلفزيونية بالأصل، و المشرفين على ورشة العمل بخبراتهم القيّمة إلى جانب بعض ناشطي المجتمع المدني و الباحثين اللذين قدموا مداخلات حول واقع المرأة السورية و رؤيتهم للدور الذي قد تضطلع به السينما و الدراما في هذا الصدد و هذه واحدة من حالات الحوار النادر أصلاً بين صنَّاع الأعمال الفنية و ممثلي تيارات ناشطة في المجتمع دون أن نغفل ما يمثّله إنتاج هذا الكم الكبير من الأفلام القصيرة من رفد و دعم للسينما السورية خاصة حين يتم هذا الإنتاج وفق شروط احترافية تناسب طبيعة و ضرورات العمل السينمائي و هذه طريقة إنتاج شبه غائبة بالنسبة للسينمائيين اللذين ينجزون أفلامهم في سوريا حيث ما تزال شركات الإنتاج الخاصة تحجم عن دعم السينما و ما تزال المنظمات و الهيئات القادرة على القيام بهذه المهمة تنأى بنفسها بعيداً عن هذه المشاريع فالثابت أن البلاد لم تشهد منذ انتهاء مشروع منح الأفلام القصيرة التي قُدِمَت في إطار احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية سنة 2008 أيّة فعاليات أو نشاطات لإنتاج أفلام قصيرة احترافية قادرة على الحضور و المنافسة في المهرجانات و رغم الأهمية التي يوليها البعض لمشروع دعم سينما الشباب الذي أطلقته مؤسسة السينما قبل بضع سنوات إلا أنه يتضح برؤية موضوعية لهذا المشروع و لنتائجه عجزه عن إنجاز أفلام جيّدة المستوى نظراً لتواضع قيمة المنحة و تردي شروط العمل و هذا ربما يفسر جانباً من أسباب غياب الأفلام القصيرة الجيّدة عن قائمة إنتاجات المؤسسة خلال السنوات الأخيرة عكس ما كان سائداً في السابق لمّا كان مهرجان دمشق فرصة لمشاهدة أفلام سورية قصيرة تحمل الكثير من القيمة و البلاغة السينمائية استطاعت إثبات أهميتها في مهرجانات كبيرة و حصلت على جوائز رفيعة و حققت للسينما السورية سمعة متميّزة و الأكيد أن تردي واقع الإنتاج في سوريا ليس مبرراً مقنعاً لتقاعس المخرجين عن السعي و البحث لتأمين مصادر إنتاج و تمويل لم يعد الوصول إليها اليوم شديد الصعوبة و ذلك على غرار ما يفعله سينمائيون مصريون و عرب من أصحاب المشاريع السينمائية الهامة و الجادة و بالعودة إلى مشروع ورشة الدراما من أجل التغيير الاجتماعي تتضح بالنتيجة، مهرجاناً وراء مهرجان، أهمية هذا المشروع بما تحققه الأفلام المُنتَجة في إطاره من سمعة جيّدة و استحسان نقدي بيّن كما تعد الأفلام التي لم تُعرَض بعد بمزيد من التميّز و التوهج، فما الذي تريده أيّة سينما أكثر من ذلك؟

عمرو علي
2018 / 10 / 15

الجمعة، 5 أكتوبر 2018

هل يصبح المسلسل التلفزيوني فيلماً سينمائياً حقيقياً؟



يشارك في مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط هذا العام الفيلم السوري روز من تأليف حازم سليمان و إخراج رشا شربتجي و إنتاج شركة إيمار الشام و الفيلم مبني، حسب تصريحات منسوبة لصنّاعه و منتجيه، على أحد الخطوط الرئيسية في المسلسل التلفزيوني شوق و تحديداً الشخصية التي قامت بأدائها الفنانة سوزان نجم الدين و قد ذكر بعض الصحافيين أن الفيلم يعدّ التجربة السورية الأولى في تحويل مسلسل إلى فيلم سينمائي متناسين، بقصد أو دون قصد، أن علاقة الدراما السورية بالسينما علاقة قديمة تعود إلى ما قبل عقدين من الزمن و قد شكّلت، و ما تزال، ظاهرة لم تشهدها أيّة صناعة تلفزيونية عربية أخرى.
يتفق معظم الباحثون على أن صناعة السينما السورية لفظت أنفاسها الأخيرة منذ مطلع التسعينيات بالتزامن مع انتشار الفضائيات العربية و تطور الدراما المحلية و انقطاع الجمهور عن ارتياد الصالات و هو ما أدى لانخفاض كمية الإنتاج و توقف كبار المنتجين عن العمل إلا أنه رغم قتامة المشهد السينمائي آنذاك تمَّ إنتاج أفلام مثل سواقة التكسي، سحاب، و المرابي و لكنها لم تحقق نجاحاً جماهيرياً يُذكَر كما حاولت النجمة إغراء، في ذلك الوقت، إعادة جمهورها إلى السينما فأخرجت و أنتجت فيلمها الأخير أسرار النساء سنة 1994 و لم يُعرَض، كما ذكرت في حوار شخصي معها، إلا بشق الأنفس بعد سجال طويل مع الرقابة ليمسي خاتمة رحلة القطاع الخاص التي انتهت بإغلاق صالات و تحّول أخرى لمراتع للمتسكعين و راحت الأعين، منذ ذلك الحين، ترنو إلى شاشات التلفزيون حتى نسي الكثيرون أنه كان ثمّة صناعة اسمها: صناعة السينما!
تطورت الدراما السورية بفعل عدة عوامل أبرزها الخروج إلى المواقع الطبيعية و التصوير بكاميرا واحدة، أي استخدام اللغة السينمائية في صناعة المسلسل، و قد التقى هذا التطور مع حماسة النجم أيمن زيدان و المخرج باسل الخطيب لإنجاز فيلم سينمائي و شهد مهرجان الإسكندرية سنة 2000 عرض فيلم الرسالة الأخيرة الذي تمَّ إنجازه خلال تصوير مسلسل الطويبي 1998 في مواقع التصوير نفسها و هو من تأليف قمر الزمان علوش عن رواية أطياف العرش لنبيل سليمان و ذكر الأستاذ أيمن زيدان، خلال حوار شخصي معه، أنه تم تصوير الفيلم بكاميرا 16 ملم و إنجاز العمليات الفنية في إستديوهات سكلافيس في اليونان رغم أن الفيلم، في الحقيقة، إعادة لقصة المسلسل بالاعتماد على فريق العمل نفسه من كاتب سيناريو و ممثلين و فنيين و يبدو أنه لم تتم الموافقة على عرض الفيلم في سوريا، كما لم يُسمَح بعرض المسلسل على القنوات المحلية، للتشابه الكبير، كما قيل، بين سيرة سلمان المرشد و قصة البطل طاهر الطويبي الذي يبدأ حياته بمقاومة الفرنسيين و ينتهي به المطاف إلى قيادة تمرد على حكومة الاستقلال مأخوذاً بهاجس تحقيق العدالة الكاملة قبل أن يكتشف أنها مستحيلة المنال و رغم أن هذه التجربة مهدّت الطريق لما قد يبتعها من تجارب مُنتَظرة إلا أن أحداً من المنتجين لم يمضِ في هذا الاتجاه باستنثاء شركة سورية الدولية التي عملت على تحويل مسلسل أحلام كبيرة 2004 من تأليف أمل حنا و إخراج حاتم علي إلى فيلم روائي طويل بعنوان العشّاق تمَّ تصويره بكاميرا الديجيتال خلال فترة شهدت خلالها هذه التقنية تطوراً ملحوظاً مع بدأ استخدامها عالمياً بتصوير بعض الأفلام و عربياً بتصوير أفلام مستقلة و قد صرّح صنَّاع هذا الفيلم بأنه اختبار لإمكانية استخدام كاميرا الديجيتال في تصوير أفلام مخصصة للعرض السينمائي و تم تحويل الفيلم من شريط ديجيتال إلى شريط 35 ملم في إستديوهات تركيا و عُرِضَ جماهيرياً في صالتيّ الزهراء بدمشق و حلب سنة 2008 بعد ثلاث سنوات على إنجازه، و كحال الرسالة الأخيرة، يعيد العشَّاق تقديم قصّة المسلسل بعد الاستغناء عن بعض الشخصيات و الخطوط الدرامية و استبدال ممثلين بممثلين آخرين و تصوير مشاهد خاصة بالفيلم لم يسبق عرضها في المسلسل و قد سمعت خلال أحد العروض بعض المشاهدين و هم يتنبؤون بالأحداث القادمة كما استهجن بعضهم تغيير الممثلين و لم يخفِ آخرون خيبتهم من الفيلم الذي يعيد تقديم حكاية سبق و أن شاهدوها على التلفزيون و مع ذلك أثبتت التجربة عطش الجمهور لاستعادة طقس مشاهدة فيلم سوري في الصالة و حققت جزءً من هدفها المُعلَن و هو توريط القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي إذ سرعان ما ساهمت الشركة نفسها بإنتاج فيلم مرة أخرى من تأليف و إخراج جود سعيد 2009 بالشراكة مع مؤسسة السينما لا سيما أن الظروف، آنذاك، كانت مهيأة لإنعاش صناعة السينما الغائبة.
يجد فيلم روز اليوم نفسه، كحال الفيلمين السابقين، في مواجهة سؤال عن إمكانية تحويل مسلسل تلفزيوني إلى فيلم سينمائي حقيقي يكسب رهان الخروج من عباءة المسلسل الأصل ليصبح فيلماً مستقلاً، مؤثراً، و جديداً على مستوى الشكل و المضمون و الحقيقة أن النجاح في هكذا رهان غاية في الصعوبة و مردُ ذلك الفارق الموضوعي بين طبيعة الوسيط السينمائي و التلفزيوني فهامش التجريب في التلفزيون لدينا لا يزال ضيّقاً و محدوداً بحجة أن المسلسل يفرض شكلاً معيّناً من السرد و أسلوب الإخراج و المونتاج و بالنتيجة أصبح شكل المسلسل عندنا، في الغالب الأعم، قديماً و ممجوجاً يعتمد على الحوار و يُهمل القدرة التعبيرية للصورة و يرتكز على طريقة السرد التقليدي رغم أن الدرامات العربية الأخرى تجاوزت ذلك و ارتقت بإنتاجاتها إلى مستويات أكثر جمالاً و إبداعاً كما أن الرقابة لا تزال أكثر تشدداً اتجاه الدراما التلفزيونية لكونها تدخل كل البيوت و هذا يحدّ من قدرة المسلسل على طرح قضايا إشكالية و عميقة تطلع إليها السينما الجادة و الهامة دوماً و بالمحصلة يرث الفيلم عن المسلسل كل تلك الأعباء و يفقد طزاجته و دهشته و يأتي مقيّداً بشروط الإنتاج التلفزيوني و رغم النوايا الطيّبة التي وقفت وراء التجارب السابقة، و تقف اليوم وراء فيلم روز، و رغم ما حققته تلك الأفلام من حراك و مزاج سينمائي كنا، و لا نزال، في أمس الحاجة إليه إلا أن الأجدى اليوم، ما دام الطموح السينمائي حاضراً في أذهان بعض المنتجين، هو إنتاج أفلام سينمائية بمعايير حقيقية تُصنع للشاشة الكبيرة بما تفرضه من قضايا ملّحة و لغة سينمائية بليغة.


عمرو علي
2018 / 10 / 6

الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

يوم أضعت ظلي في الجونة بدون صنّاعه!



أثيرت، بالتزامن مع انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الجونة، قضية عدم حصول فريق عمل فيلم يوم أضعت ظلي على تأشيرات دخول إلى مصر رغم مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية و توجيه الدعوات أصولاً إلى فريق العمل و هم سوريون يقيمون خارج سوريا. كما لم يساهم حصول الفيلم على جائزة أسد المستقبل في مهرجان فينيسيا أو مشاركته في مهرجان تورنتو و حصول صنّاعه على تأشيرات دخول لكندا بتسهيل دخولهم إلى مصر التي فرضت تأشيرات دخول، مصحوبة بموافقات أمنية، على السوريين منذ عام 2013  لتزيد بذلك طين السوريين بلّة و لتضيف لمعاناتهم اليومية معاناة جديدة خاصة بالنسبة لأولئك اللذين لهم أقارب أو عائلات أو أصدقاء يعيشون في أم الدنيا، و أنا واحد منهم، فرغم السنوات الخمس التي عشتها في القاهرة و رغم تخرجي من معهد السينما هناك إلا أن حصولي على تأشيرة دخول لم يعد أمراً يسيراً على الإطلاق فهذه عملية معقدة لا تحكمها معايير واضحة بل إنها في الغالب الأعم ترتهن لأمزجة المسؤولين لتصبح في النتيجة ضربة حظ قد تصيب و قد تخيب و من البديهي أن هذا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين – السوريين و أبرز مثال على ذلك الناقد الراحل بشار ابراهيم الذي لم يتمكن من حضور فعاليات مهرجان القاهرة سنة 2016 لرفض طلب التأشيرة رغم مكانته الكبيرة في مجال النقد السينمائي العربي!
كتب بعض النقاد و الصحافيين اللذين شاهدوا الفيلم في الجونة انطباعات أولية تشير بمجملها إلى أن الفيلم لم يكن على مستوى التوقعات من الناحية الفنية و السينمائية و اعتبر بعضهم حصوله على جائزة فينيسيا نوعاً من المحاباة السياسية لأنه كما يتضح من تلك الكتابات يتنبى أو يميل لموقق المعارضة و المفارقة أن بعض اللذين كتبوا ذلك و بينهم نقَّاد مرموقون لم يكتبوا شيئاً عن منع صنَّاع الفيلم من الحضور و كأن محتوى الفيلم الذي لا يتناسب مع آرائهم مبرر مقنع لمنع فريق العمل من القدوم و بالتالي لا يمكن قراءة صمتهم هذا إلا بكونه قبولاً بإقصاء سينمائيين سوريين و التضييق عليهم في المهرجانات العربية و مشكلة هذا المنطق أنه يشبه منطق اللذين عملوا على استبعاد فيلم رجل و ثلاثة أيام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما من مهرجان معهد العالم العربي في باريس متناسين أن الرد على رؤية أفلام قد لا يتفق البعض معها لا تكون عبر المنع سواء منع الفيلم من العرض و المشاركة أو منع فريق العمل من حضور المهرجان إنما تتم بطرق مختلفة كإنجاز أفلام تعبّر عن رؤى مغايرة و هذا سبق و أن حدث في السينما السورية من خلال أفلام تناولت الحياة في حمص خلال السنوات الأولى للحرب أو عن طريق الكتابات النقدية التي تحلل البناء و العناصر الدرامية و تشير لعلاقتها بالظرف الجغرافي و التاريخي خاصة حين تدور الأحداث ضمن سياق شديد الصلة بالزمان و المكان
الثابت أن المهرجان لا تقام لغاية العرض فقط بل هي فرصة للتلاقي و الاحتكاك بالنقًّاد و بالجمهور و بصنَّاع السينما و بالمحطات التلفزيونية و بالأسواق و المنصات السينمائية العالمية و هذا بحدّ ذاته لا يقل أهمية عن عرض الفيلم و رغم أن ظاهرة منع أفلام سورية من المشاركة في المهرجانات ظاهرة قديمة بدأت في 2011 و بلغت ذروتها مع منع أفلام المؤسسة العامة للسينما من المشاركة في دبي و القاهرة و منع أفلام أنجزها سوريون يقيمون في الخارج في المهرجانات العربية و لو بنسبة أقل فإن تعذر حصول صنَّاع فيلم يوم أضعت ظلي على تأشيرة دخول و بالتالي فقدانهم إمكانية حضور في الجونة يدفع بهذه القضية إلى الواجهة من جديد و يوفر فرصة لتكاتف السينمائيين في وجه منع أي فيلم سوري على اختلاف التوجهات و الرؤى من المشاركة و الحضور في المهرجانات العربية و الدولية أو منع صنَّاعه من التواجد في المهرجان فالقضية هنا ليست قضية يوم أضعت ظلي أو غيره من الأفلام بل هي قضية عامة عانى من تبعاتها كل السينمائيين السوريين في الآونة الأخيرة و هي تستهدف السينما السورية بمجملها لأنها تحدّ من قدرتها على الانتشار و نقل صور أخرى لسوريا عبر اللغة السينمائية و الرؤى الفنية الراقية بعيداً عن الصور التي تبثها نشرات الأخبار على هواها و وفق أجنداتها المعدة سلفاً و تحدّ في حالة يوم أضعت ظلي من قدرة السينمائيين على التواصل و الاحتكاك المباشر مع الجمهور العربي و رصد ردود الأفعال في العرض الأول في الشرق الأوسط فضلاً عن التواصل مع مديري المهرجانات و المنتجين و الموزعين العرب المتواجدين في مهرجان نجح بتحقيق ما يُراد له من تميّز و توهج على صعيد المهرجانات العربية و العالمية

عمرو علي
2018 / 9 / 25

السبت، 22 سبتمبر 2018

مزرعة الأبقار: نواة فيلم تسجيلي من رحم الحرب!




شاهدت خلال دورة قرطاج الأخيرة الفيلم التسجيلي الطويل مزرعة الأبقار لعلي الشيخ خضر، و هو واحد من ثلاثة أفلام سورية مشاركة في مسابقة الأفلام التسجيلية، و علي الشيخ خضر سينمائي سوري مستقل سبق له العمل كمونتير و مدير للتصوير في أفلام قصيرة مستقلة قبل أن ينجز فيلمه التسجيلي الأول مزرعة الأبقار الذي يلج إلى عالم الشاب القروي حسن العامل في تربية الأبقار بمزرعته الخاصة في مدينة السلمية. يرافق الفيلم بطله بين أعوام 2010 و 2014 فالمخرج الذي قرر سنة 2010 إنجاز فيلم تسجيلي عن أهله و مدينته سرعان ما يتورط مع اندلاع الأحداث في سوريا برغبة توثيق انعكاس الأحداث على شاب قروي نأى بنفسه عن صراعات المدينة و اعتكف في مزرعته منذ زمن. جاء الفيلم على هيئة حوارات طويلة مع حسن الذي تصّدر الشاشة طيلة زمن الفيلم تقريباً و هو يتحدث عن أحلامه و آماله و مواقفه السياسية و مفادها أن الدولة هي الضامن الوحيد لأمن البلد، و مع تطور الأحداث الأمنية آنذاك يُعتَقل حسن و يتعرض للتعذيب و ينتهي به المطاف إلى التجنيد في الجيش السوري و ينتهي الفيلم مع وصول نبأ استشهاده إلى المخرج الذي غادر سوريا متجهاً إلى مصر كخطوة على درب الوصول إلى أوروبا.

يقول حسن للمخرج - الكاميرا قبل التحاقه بالخدمة العسكرية: صورني.. يمكن هي أخر مرة تشوفني! ثم يرفع يده ملّوحاً للمخرج و للكاميرا و للمشاهدين و كأنه كان يدرك، في تلك اللحظة، أنه ذاهب إلى موت محتم و قد تحول الفيلم بذلك إلى مرثية طويلة لشاب كانت له أحلام و آمال طبيعية لكن مصيره سرعان ما آل إلى نهاية غير متوقعة فرضتها الحرب التي داهمت حياتنا فجأة و في اعتقادي أن المخرج حاول السير على خطا عمر أميرالاي في فيلمه الشهير الطوفان الذي اعتمد على تسجيل حوارات مع شخصيات تقول عكس ما يريد المخرج قوله و قد استطاع أميرالاي، عن طريق الشكل الفني و استخدام لغة سينمائية مرتبطة بالمضمون و مليئة بقيم جمالية معبّرة، أن يحقق تلك المفارقة و يجعلنا نشاركه في موقفه من الأفكار التي ترددها شخصيات فيلمه و ذلك لم يكن ممكناً لولا تسخيره لعناصر لغته السينمائية كافة في صناعة الفيلم فالإضاءة الصوت و المونتاج خلقا جواً عاماً و إيقاعاً ساهم بتسجيل اللقطات وفق نبض و إحساس المخرج أما المشكلة الأساسية في فيلمنا هنا فتكمن في العجز عن تحقيق تواصل مع الجمهور بسبب ضعف اللغة السينمائية و التطويل الذي ليس له داع فقد استفاض الفيلم كثيراً في نقل الحوارات مع حسن من زاوية تصوير واحدة، طيلة الوقت، بكاميرا فيديو متوسطة الجودة (و الشروط التقنية شيء يمكن إغفاله في الفيلم التسجيلي) و هو ما أدى لخروج أكثر من نصف الجمهور من الصالة خلال أول ربع ساعة مما اضطر المخرج لمطالبة الباقين بعد العرض بإعطاءه فرصة للدفاع عن الفيلم رغم أن مهرجان قرطاج لا يعقد عادة ندوات بعد العرض و بحسب الناقد بشار ابراهيم ترتبط مشكلة الفيلم الرئيسية بالمونتاج لأن مخرجه افتقد لشجاعة الحذف و الاستغناء عن الأزمنة الإضافية و بالتالي جاء فيلمه مثخناً بزمن إضافي كان من الأجدى حذفه للمحافظة على إيقاع رشيق و درجة أكبر من التواصل مع الجمهور كما لفتت مقالة علا الشيخ في جريدة الحياة إلى أن الفيلم لا يكشف عن موقف سياسي واضح لصانعه بقدر ما يفسح المجال للتأويل و هذه نقطة تتطلب المراجعة فتعليق المخرج في مشهد النهاية يقول بأن المسؤولين في الجيش زجوا بحسن و برفاقه في موقع اشتباك متقدم مع المجموعات المسلحة أي أن بطلنا قد دُفِعَ دفعاً إلى الموت رغم أنه التحق بالجيش طواعية لقناعته بأنه ذاهب للدفاع عن بلده و في حوار شخصي مع المخرج محمد ملص رأى أن مزرعة الأبقار نواة فيلم تسجيلي فقد جزءً كبيراً من أهميته و تأثيره لأنه في حاجة ماسة لبناء جديد يعتمد على التكثيف و الاختزال.

عمرو علي
2017 / 2 / 18