قرأت اليوم خبر انعقاد اجتماع طارئ يضم
إداريين و أعضاء في النقابات الفنية المصرية للبحث و التداول في أزمة الدراما
المصرية الأعنف و الأشد عبر تاريخها فقد انخفض عدد المسلسلات التلفزيونية المنتجة
للموسم القادم 2019 إلى نحو خمسة عشر مسلسلاً فقط بينما كان العدد في الأعوام
الماضية يفوق ثلاثين مسلسلاً سنوياً، و تباحث المجتمعون في الأجور الخيالية التي
يتقاضاها كبار النجوم و في أسعار الإيجارات الباهظة لمواقع التصوير رغم أن عجلة
الإنتاج الفني لم تتوقف يوماً نتيجة لهذه الأسباب بل كان المنتجون يواصلون عملهم و
يبيعون أعمالهم و يكسبون و يشرعون بالتالي في التحضير لإنتاجات جديدة دون أن
تواجههم عقبات أو مشكلات جسام.
لا أعرف السبب وراء غياب الحديث عن الاحتكار
بوصفه أكبر الأزمات في صناعة الدراما المصرية اليوم و هذه أزمة ظهرت لمّا تحول بعض
أصحاب و مدراء شركات الإنتاج إلى مدراء لفضائيات كبيرة تشكّل السوق الرئيسي
بالنسبة للمنتج المحلي و تتحول في أحيان كثيرة إلى جهة شريكة في الإنتاج عبر
شراءها لحقوق عرض المسلسل خلال رمضان و دفع سلفة تساهم في تغطية المصاريف خلال
التصوير، و ما حدث في الموسم الماضي هو أن بعض الفضائيات التي اشترت أعمالاً لغاية
عرضها في رمضان و تحولت إلى شريك إنتاجي، رفضت عرض المسلسلات التي اشترتها لصالح
عرض المسلسلات التي أنتجها أصحاب و مدراء هذه المحطات، و بالتالي خرجت تلك الأعمال
من المنافسة و رفضت إدارات القنوات السماح لمنتجيها ببيعها لفضائيات أخرى محلية أو
عربية بحجّة أنها ليست ملكاً صرفاً لها فإما: أعيدوا لنا السلفة التي دفعناها.. و
إما انتظروا حتى نقرر نحن عرض أعمالكم متى نشاء قبل أن تبيعوها لفضائيات أخرى
غيرنا..
لقد أدى الاحتكار في السابق إلى تدهور كبير و
ملحوظ لصناعة السينما حين أصبح بعض المنتجين أصحاباً لدور العرض و راحوا يفرضون
شروطهم و يتحكمون بعملية التوزيع و يستبعدون الأفلام التي قد تنافس أفلامهم في
تحقيق إيرادات كبيرة عبر شباك التذاكر من مواسم الذروة و يقذفون بها إلى الصالات
في المواسم و الأوقات الميتة ثم سرعان ما يسحبونها بعد انقضاء فترة قصيرة بدعوى
خسارتها في الشباك و الأكيد أن الخاسر الأكبر من هذه العملية هو الشركات الصغيرة و
السينما المستقلة التي تعتمد كلياً على نجاح الفيلم السابق في التحضير للفيلم
اللاحق و بالتالي في استمرار دوران عجلة الإنتاج و تدفقها، و ما زالت صناعة
السينما المصرية تعاني من التبعات المهولة و التداعيات الكارثية لسياسة الاحتكار
حتى اليوم.
تذّكرت و أنا أقرأ عن أزمة الدراما المصرية
أزمتنا المزمنة في درامانا السورية.. هذه الأزمة التي تبدو بلا حلول و بلا آفاق
للحل فلا أحد من أصحاب القرار يقرأ يُكتَب في هذا الصدد بل كثيرون منهم يبدون و
كأنه لا تعنيهم أزمة دراماهم بالأصل و يستمرون بالعمل وفق الآلية و الطريقة
القديمة التي قادت صناعة الدراما السورية إلى فشل كبير و واقع متردي يزداد سوءً
موسماً وراء موسم، و إن كان حصار الفضائيات العربية للدراما السورية منذ بداية
الأزمة يشكّل سبباً كبيراً من أسباب هذا التردي فإن المستوى الفني الذي يُقدَّم
يتحمل الجزء المتبقي و تقع مسؤولية هذا على كل العناصر الفاعلة و العاملة في
الصناعة بدءً بالمنتجين مروراً بكتَّاب السيناريو و الممثلين و الفنيين وصولاً إلى
المخرجين.. أكتب هذا بينما يحضرني المثل الشعبي القائل: إن أُغلِقَ باب.. يُفتَحُ
ألف باب! و أتخيّل مدى الانفراج و الانتعاش الذي قد يصيب صناعة الدراما عندنا فيما
لو استغل المنتجون آفاق و قدرة الويب سيريس (المسلسلات الرقمية المخصصة للعرض على
اليوتيوب و منصات الإنترنت) في الشهرة و الانتشار و تحقيق المكاسب المادية أيضاً،
حتى لو اتجه البعض إلى هذا المضمار في البداية من باب التجريب و الاختبار، فما
تمرُّ به صناعة الويب سيريس الآن يشبه كثيراً بدايات الدراما السورية حين كان
الكثيرون يتخوفون من التلفزيون بل و يتكبرون و يرفضون العمل له مع فارق أساسي و
جوهري هو أن وسائط العرض الجديدة الآن – الكومبيوتر و الموبايل و التابليت – أصبحت
بمتناول الجميع عكس أجهزة التلفزيون التي كانت في الستينينات و السبعينيات حكراً
على طبقة اجتماعية معّينة و هذا يعني أن مسافة طويلة من الطريق قد قُطِعَت سلفاً و
لم يتبقَ لنا سوى التحلّي بقليل من الجرأة و الحكمة و بعد النظر ثم إدراك أن
المسلسل التلفزيوني بشكله الحالي يخطو سريعاً نحو الاندثار و أن كل هذه الأزمات
التي تعصف بصناعة الدرامات العربية ستسّرع هذا الاندثار المرتقب فهل نجلس في
بيوتنا لنندب حظنا و ننتظر؟ أم نسعى إلى فتح آفاق جديدة قد تجعل التلفزيون و
الفضائيات نفسها تسعى وراءنا لتستثمر نجاحنا في مساحات بديلة أكثر تطوراً و أهمية
و رحابة؟ ألم تحقق مسلسلات مثل بدون قيد و الشكّ نجاحاً جماهيرياً و فنياً و
مادياً ربما يفوق بمراحل ما تحققه المسلسلات التقليدية متوسطة المستوى؟
عمرو علي
2018 / 11 / 28
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق