الجمعة، 19 أكتوبر 2018

تجربة التلفزيون السوري في الإنتاج السينمائي



ربما يثير هذا العنوان للوهلة الأولى دهشة بعض القرّاء فالمتعارف عليه عندنا هو أن التلفزيون للتلفزيون و السينما للسينما و لعل هذا القول تحديداً هو الذي أدى إلى الإطاحة بتجربة التلفزيون في حقل الإنتاج السينمائي لمرّتين. في الماضي كانت الأفلام السينمائية تصور على أشرطة السيلولويد قياس 16 أو 35 مم التي حلت كبديل عن أشرطة نترات الفضّة كما كانت الأفلام الإخبارية و الوثائقية المخصصة للعرض التلفزيوني تصّور بنفس الطريقة و من هنا جاءت حاجة التلفزيون السوري بعد تأسيسه بفترة وجيزة لكوادر سينمائية مختصة في هذا المجال و أعلن في الستينيات عن بعثات لدراسة السينما في موسكو لصالح التلفزيون بينما استمرت في هذه الأثناء دائرة الخدمات السينمائية التابعة للتلفزيون بإنتاج بعض الأفلام التسجيلية و الروائية التي أنجزها مخرجون مثل صلاح دهني، قيس الزبيدي، أمين البني، خلدون المالح و غسان باخوس و من أبرز هذه الأفلام محاولة عن سد الفرات 1970 لعمر أميرالاي كما يشير جان ألكسان في كتابه عن السينما السورية إلى أن التلفزيون أنتج في ذلك الوقت فيلم الرجل و هو فيلم روائي طويل من إخراج فيصل الياسري.
تأسست دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون سنة 1974 بعد عودة السينمائيين الموفدين إلى الاتحاد السوفيتي لصالح التلفزيون، و بينهم سينمائيين كبار أبرزهم محمد ملص و هيثم حقي، و باشرت الدائرة بإنتاج أفلام تسجيلية و روائية قصيرة أنجزها المخرجون العائدون حديثاً إلى جانب المخرجين المذكورين سابقاً اللذين استمروا بالعمل و من بين هذه الأفلام الدجاج لعمر أميرالاي، القنيطرة 74 و الذاكرة لمحمد ملص كما أنجز هيثم حقي لهذه الدائرة الكثير من أفلامها القصيرة مثل مهمة خاصة  - النار و الماء - السدّ و الأرجوحة و الفيلم الروائي الطويل التقرير أو ملابسات حادثة عادية و يشير المخرج هيثم حقي إلى أن إدارة التلفزيون لم تكن راضية عن توجه هذه الأفلام و هذا أحد أسباب توقف الدائرة عن الإنتاج إلى جانب أسباب أخرى أبرزها دخول الكاميرا المحمولة و تقنية تصوير الفيديو و مع ذلك استمرت الدائرة في الثمانينيات بإنتاج أفلام سينمائية تسجيلية غلب عليها الطابع التقريري أنجزها مخرجون انضموا إلى التلفزيون في تلك الآونة منهم غزوان بريجان، محمد بدرخان، محمد اسماعيل آغا و علاء الدين الشعار و قد أصبح، في ذلك الوقت، للحديث عن الأفلام السينمائية و التلفزيونية قاعدة علمية إذ حُصِرَ الإنتاج السينمائي بمؤسسة السينما لكونه عملية مكلفة تتطلب استيراد علب الخام و وجود معامل للطباعة و التحميض و جيش من و التقنيين المختصين سينمائياً بينما أقدمت دائرة الإنتاج التلفزيوني ضمن الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون على إنتاج أفلام تلفزيونية تسجيلية و روائية اصطلح على تسميتها سهرات تلفزيونية و قد ازدهرت هذه الظاهرة كثيراً في التسعينيات و أقبل على إنتاجها القطاعين العام و الخاص على السواء و بالتأكيد لم تكن هذه السهرات صالحة للعرض السينمائي لأنها مصورة على أشرطة فيديو حتى و إن كان تنفيذها يتم بطريقة سينمائية عبر استخدام الكاميرا الواحدة و التصوير في المواقع الطبيعية و قد توقف إنتاجها بشكل شبه تام مع بداية القرن الحالي لأسباب تسويقية على الأرجح.
شهدت تقنية الديجيتال في السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً و صارت تُعتَمَد في كثير من الصناعات المتقدمة كبديل عن طريقة التصوير السينمائي التقليدية خاصة مع ظهور و انتشار وسائل العرض الرقمي في الصالات و أدى ذلك لتوحيد طريقة العمل السينمائي و التلفزيوني إذ أصبحت الأفلام السينمائية تُصَور بكاميرات الديجيتال و زالت الحاجة لعلب الخام و معامل الطباعة و التحميض و مع إحداث المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني و الإذاعي في سوريا سنة 2010 و مجيء إدارة متحمسة و واعية لضرورة عودة التلفزيون إلى إنتاج الأفلام تمَّ وضع عدة أفلام على قائمة الإنتاجات الجديدة و ظهر سنة 2011 الفيلم الروائي الطويل طعم الليمون من تأليف رافي وهبي عن فكرة لحاتم علي و إخراج نضال سيجري و عُرِضَ جماهيرياً في سينما الكندي و قد شكَّل ذلك سابقة و أنعش الآمال بإمكانية ظهور جهات تنتج الأفلام السينمائية غير مؤسسة السينما و بهمة عالية و نشاط دؤوب و وتيرة سريعة، لم نعتد عليها عند المؤسسات الحكومية، تابعت مؤسسة الإنتاج مشروعها في الإنتاج السينمائي و شاركت بتمويل الفيلم الروائي الطويل الحاسة الثانية من تأليف أحمد قصّار و إخراج أحمد درويش الذي تعطّل تصويره لفترة طويلة بسبب نقص التمويل قبل أن يُستَكمل بدعم من المؤسسة و عُرِضَ في تظاهرة آفاق على هامش أيام قرطاج السينمائية سنة 2012 كما أعلن عن مشروع أحلام سينمائية سورية قصيرة و هو مشروع طموح لإنتاج أفلام روائية قصيرة لصالح التلفزيون و أُنتِجَت خلال دورته الأولى أربعة أفلام هي رياح كانون المبكرة لأحمد الخضر، 29 شباط لمهند كلثوم، جدارية الحب لأوس محمد و دون عنوان لأحمد سويداني و شارك بعضها في مهرجان روتردام و أيام قرطاج و سرعان ما تلقفت مؤسسة السينما هذا المشروع بعد انتهاء دورته الأولى و قد أثار حفيظتها أن تقدم مؤسسة الإنتاج التلفزيوني على إنتاج أفلام قصيرة لأن ذلك، حسب رأيهم، ليس من اختصاصها و أطلقت المؤسسة المشروع نفسه باسم مشروع دعم سينما الشباب و أقامت له مهرجاناً خاصاً أغرِقَت شاشاته بسيل من الأفلام القصيرة متواضعة المستوى و هذا نتاج طبيعي لتقليص القيمة المادية للمنحة و هو ما أدى بدوره لتقليص أيام التصوير من أربعة إلى يوم واحد فقط و قد تخلّت الإدارات المتعاقبة على مؤسسة الإنتاج عن طموح الإنتاج السينمائي و تفرغت لإنتاج المسلسلات متناسية أن الغالبية العظمى من المحطات و المؤسسات التلفزيونية في العالم تشارك بإنتاج الأفلام السينمائية لأهميتها الثقافية و التنويرية و الأجدى اليوم أن تعيد إدارة مؤسسة الإنتاج إحياء مشروع إنتاج الأفلام بدلاً من السكيتشات و الثلاثيات و الرباعيات التي لم يعد شكلها يتناسب مع طبيعة العصر خاصة أنها كجهة رسمية قادرة على عرض أفلامها جماهيرياً في صالات الكندي و تلفزيونياً عبر الفضائيات التابعة لها كما تقدر على بيعها للمحطات الخاصة و هذا يعود عليها بفائدة اقتصادية تغطي جزءً من تكلفة الإنتاج و ترفد السينما المحلية بأفلام مختلفة و متنوعة قادرة على خلق حراك سينمائي لائق طال انتظاره.


عمرو علي
2018 / 10 / 19

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

أفلام ورشة الدراما من أجل التغيير الاجتماعي في المهرجانات العربية!



تمًّ مؤخراً عرض فيلمين من بين مجموعة أفلام قصيرة هي حصيلة ورشة الدراما من أجل التغيير الاجتماعي من تنظيم منظمتيّ مدني و البحث عن أرضية مشتركة و هما الحبل السرّي من تأليف رامي كوسا و إخراج الليث حجو الذي حجز لنفسه مكاناً هاماً وسط منافسة صعبة في مهرجان الجونة، و خيمة 56 من تأليف سندس ابراهيم و إخراج سيف الشيخ نجيب الذي حصد قبل أيام جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط بينما ما تزال بقية الأفلام تنتظر عروضها الأولى في المهرجانات خلال الفترة القادمة.
عُقِدَت الورشة في بيروت بين يوليو و سبتمبر 2017 و ضمّت عدداً من كتَّاب السيناريو اللذين توزعوا على مجموعتين منفصلتين عمل مع كل منهما السيناريست الهولندي براندون أوليفسه على تطوير مشاريع أفلام روائية قصيرة أنجز بعضها على مدى السنة الفائتة مخرجون انضموا للورشة خلال اللقاءات التشاورية التي نُظِمَت بعد انتهاء جدول الأعمال و تمخض هذا المشروع بالمحصلة عن إنتاج اثني عشر فيلم قصير، من قبل الجهتين المنظمتين للورشة بدعم من الإتحاد الأوروبي و بعض شركات القطاع الخاص، أنجزها الليث حجو، سؤود كعدان، واحة الراهب، سيف الشيخ نجيب، رافي وهبي، ماهر صليبي، اسماعيل ديركي، جمال سلوم، مجد الزغير، سفيناز محمد و كريم قبراوي كما أنجزتُ فيلمي اليقظة ضمن هذا المشروع و كنت واحداً من اللذين آثروا كتابة و إخراج أفلامهم بأنفسهم طالما لهم تجارب سابقة في هذا المجال، و إن كانت الأفلام جميعها تدور حول قضية المرأة السورية في ظل الحرب إلا أنها جاءت ضمن معالجات اختلفت باختلاف رؤى صنَّاعها لا سيما أنهم ينتمون لأجيال و تجارب مختلفة ففي الحبل السرّي، على سبيل المثال، ثمّة امرأة توشك على الولادة و تعجز عن مغادرة بيتها الواقع في جبهة قتال يسيطر عليها قنَّاص، أما في جدايل لإسماعيل ديركي فتحاول الأم الهرب مع ابنتها من مدينتها الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة وسط رحلة قد تودي بحياتهما، و في اليقظة امرأة تترك زوجها الذي يخطط لزواج جديد بعد أن يبيع فستان زفافها لتغطية تكاليف العرس، و الحقيقة أن أهمية هذا المشروع تتأتى من كونه شكّل فرصة للتواصل و الاحتكاك بين صنَّاع الأفلام، و معظمهم من العاملين في الدراما التلفزيونية بالأصل، و المشرفين على ورشة العمل بخبراتهم القيّمة إلى جانب بعض ناشطي المجتمع المدني و الباحثين اللذين قدموا مداخلات حول واقع المرأة السورية و رؤيتهم للدور الذي قد تضطلع به السينما و الدراما في هذا الصدد و هذه واحدة من حالات الحوار النادر أصلاً بين صنَّاع الأعمال الفنية و ممثلي تيارات ناشطة في المجتمع دون أن نغفل ما يمثّله إنتاج هذا الكم الكبير من الأفلام القصيرة من رفد و دعم للسينما السورية خاصة حين يتم هذا الإنتاج وفق شروط احترافية تناسب طبيعة و ضرورات العمل السينمائي و هذه طريقة إنتاج شبه غائبة بالنسبة للسينمائيين اللذين ينجزون أفلامهم في سوريا حيث ما تزال شركات الإنتاج الخاصة تحجم عن دعم السينما و ما تزال المنظمات و الهيئات القادرة على القيام بهذه المهمة تنأى بنفسها بعيداً عن هذه المشاريع فالثابت أن البلاد لم تشهد منذ انتهاء مشروع منح الأفلام القصيرة التي قُدِمَت في إطار احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية سنة 2008 أيّة فعاليات أو نشاطات لإنتاج أفلام قصيرة احترافية قادرة على الحضور و المنافسة في المهرجانات و رغم الأهمية التي يوليها البعض لمشروع دعم سينما الشباب الذي أطلقته مؤسسة السينما قبل بضع سنوات إلا أنه يتضح برؤية موضوعية لهذا المشروع و لنتائجه عجزه عن إنجاز أفلام جيّدة المستوى نظراً لتواضع قيمة المنحة و تردي شروط العمل و هذا ربما يفسر جانباً من أسباب غياب الأفلام القصيرة الجيّدة عن قائمة إنتاجات المؤسسة خلال السنوات الأخيرة عكس ما كان سائداً في السابق لمّا كان مهرجان دمشق فرصة لمشاهدة أفلام سورية قصيرة تحمل الكثير من القيمة و البلاغة السينمائية استطاعت إثبات أهميتها في مهرجانات كبيرة و حصلت على جوائز رفيعة و حققت للسينما السورية سمعة متميّزة و الأكيد أن تردي واقع الإنتاج في سوريا ليس مبرراً مقنعاً لتقاعس المخرجين عن السعي و البحث لتأمين مصادر إنتاج و تمويل لم يعد الوصول إليها اليوم شديد الصعوبة و ذلك على غرار ما يفعله سينمائيون مصريون و عرب من أصحاب المشاريع السينمائية الهامة و الجادة و بالعودة إلى مشروع ورشة الدراما من أجل التغيير الاجتماعي تتضح بالنتيجة، مهرجاناً وراء مهرجان، أهمية هذا المشروع بما تحققه الأفلام المُنتَجة في إطاره من سمعة جيّدة و استحسان نقدي بيّن كما تعد الأفلام التي لم تُعرَض بعد بمزيد من التميّز و التوهج، فما الذي تريده أيّة سينما أكثر من ذلك؟

عمرو علي
2018 / 10 / 15

الجمعة، 5 أكتوبر 2018

هل يصبح المسلسل التلفزيوني فيلماً سينمائياً حقيقياً؟



يشارك في مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط هذا العام الفيلم السوري روز من تأليف حازم سليمان و إخراج رشا شربتجي و إنتاج شركة إيمار الشام و الفيلم مبني، حسب تصريحات منسوبة لصنّاعه و منتجيه، على أحد الخطوط الرئيسية في المسلسل التلفزيوني شوق و تحديداً الشخصية التي قامت بأدائها الفنانة سوزان نجم الدين و قد ذكر بعض الصحافيين أن الفيلم يعدّ التجربة السورية الأولى في تحويل مسلسل إلى فيلم سينمائي متناسين، بقصد أو دون قصد، أن علاقة الدراما السورية بالسينما علاقة قديمة تعود إلى ما قبل عقدين من الزمن و قد شكّلت، و ما تزال، ظاهرة لم تشهدها أيّة صناعة تلفزيونية عربية أخرى.
يتفق معظم الباحثون على أن صناعة السينما السورية لفظت أنفاسها الأخيرة منذ مطلع التسعينيات بالتزامن مع انتشار الفضائيات العربية و تطور الدراما المحلية و انقطاع الجمهور عن ارتياد الصالات و هو ما أدى لانخفاض كمية الإنتاج و توقف كبار المنتجين عن العمل إلا أنه رغم قتامة المشهد السينمائي آنذاك تمَّ إنتاج أفلام مثل سواقة التكسي، سحاب، و المرابي و لكنها لم تحقق نجاحاً جماهيرياً يُذكَر كما حاولت النجمة إغراء، في ذلك الوقت، إعادة جمهورها إلى السينما فأخرجت و أنتجت فيلمها الأخير أسرار النساء سنة 1994 و لم يُعرَض، كما ذكرت في حوار شخصي معها، إلا بشق الأنفس بعد سجال طويل مع الرقابة ليمسي خاتمة رحلة القطاع الخاص التي انتهت بإغلاق صالات و تحّول أخرى لمراتع للمتسكعين و راحت الأعين، منذ ذلك الحين، ترنو إلى شاشات التلفزيون حتى نسي الكثيرون أنه كان ثمّة صناعة اسمها: صناعة السينما!
تطورت الدراما السورية بفعل عدة عوامل أبرزها الخروج إلى المواقع الطبيعية و التصوير بكاميرا واحدة، أي استخدام اللغة السينمائية في صناعة المسلسل، و قد التقى هذا التطور مع حماسة النجم أيمن زيدان و المخرج باسل الخطيب لإنجاز فيلم سينمائي و شهد مهرجان الإسكندرية سنة 2000 عرض فيلم الرسالة الأخيرة الذي تمَّ إنجازه خلال تصوير مسلسل الطويبي 1998 في مواقع التصوير نفسها و هو من تأليف قمر الزمان علوش عن رواية أطياف العرش لنبيل سليمان و ذكر الأستاذ أيمن زيدان، خلال حوار شخصي معه، أنه تم تصوير الفيلم بكاميرا 16 ملم و إنجاز العمليات الفنية في إستديوهات سكلافيس في اليونان رغم أن الفيلم، في الحقيقة، إعادة لقصة المسلسل بالاعتماد على فريق العمل نفسه من كاتب سيناريو و ممثلين و فنيين و يبدو أنه لم تتم الموافقة على عرض الفيلم في سوريا، كما لم يُسمَح بعرض المسلسل على القنوات المحلية، للتشابه الكبير، كما قيل، بين سيرة سلمان المرشد و قصة البطل طاهر الطويبي الذي يبدأ حياته بمقاومة الفرنسيين و ينتهي به المطاف إلى قيادة تمرد على حكومة الاستقلال مأخوذاً بهاجس تحقيق العدالة الكاملة قبل أن يكتشف أنها مستحيلة المنال و رغم أن هذه التجربة مهدّت الطريق لما قد يبتعها من تجارب مُنتَظرة إلا أن أحداً من المنتجين لم يمضِ في هذا الاتجاه باستنثاء شركة سورية الدولية التي عملت على تحويل مسلسل أحلام كبيرة 2004 من تأليف أمل حنا و إخراج حاتم علي إلى فيلم روائي طويل بعنوان العشّاق تمَّ تصويره بكاميرا الديجيتال خلال فترة شهدت خلالها هذه التقنية تطوراً ملحوظاً مع بدأ استخدامها عالمياً بتصوير بعض الأفلام و عربياً بتصوير أفلام مستقلة و قد صرّح صنَّاع هذا الفيلم بأنه اختبار لإمكانية استخدام كاميرا الديجيتال في تصوير أفلام مخصصة للعرض السينمائي و تم تحويل الفيلم من شريط ديجيتال إلى شريط 35 ملم في إستديوهات تركيا و عُرِضَ جماهيرياً في صالتيّ الزهراء بدمشق و حلب سنة 2008 بعد ثلاث سنوات على إنجازه، و كحال الرسالة الأخيرة، يعيد العشَّاق تقديم قصّة المسلسل بعد الاستغناء عن بعض الشخصيات و الخطوط الدرامية و استبدال ممثلين بممثلين آخرين و تصوير مشاهد خاصة بالفيلم لم يسبق عرضها في المسلسل و قد سمعت خلال أحد العروض بعض المشاهدين و هم يتنبؤون بالأحداث القادمة كما استهجن بعضهم تغيير الممثلين و لم يخفِ آخرون خيبتهم من الفيلم الذي يعيد تقديم حكاية سبق و أن شاهدوها على التلفزيون و مع ذلك أثبتت التجربة عطش الجمهور لاستعادة طقس مشاهدة فيلم سوري في الصالة و حققت جزءً من هدفها المُعلَن و هو توريط القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي إذ سرعان ما ساهمت الشركة نفسها بإنتاج فيلم مرة أخرى من تأليف و إخراج جود سعيد 2009 بالشراكة مع مؤسسة السينما لا سيما أن الظروف، آنذاك، كانت مهيأة لإنعاش صناعة السينما الغائبة.
يجد فيلم روز اليوم نفسه، كحال الفيلمين السابقين، في مواجهة سؤال عن إمكانية تحويل مسلسل تلفزيوني إلى فيلم سينمائي حقيقي يكسب رهان الخروج من عباءة المسلسل الأصل ليصبح فيلماً مستقلاً، مؤثراً، و جديداً على مستوى الشكل و المضمون و الحقيقة أن النجاح في هكذا رهان غاية في الصعوبة و مردُ ذلك الفارق الموضوعي بين طبيعة الوسيط السينمائي و التلفزيوني فهامش التجريب في التلفزيون لدينا لا يزال ضيّقاً و محدوداً بحجة أن المسلسل يفرض شكلاً معيّناً من السرد و أسلوب الإخراج و المونتاج و بالنتيجة أصبح شكل المسلسل عندنا، في الغالب الأعم، قديماً و ممجوجاً يعتمد على الحوار و يُهمل القدرة التعبيرية للصورة و يرتكز على طريقة السرد التقليدي رغم أن الدرامات العربية الأخرى تجاوزت ذلك و ارتقت بإنتاجاتها إلى مستويات أكثر جمالاً و إبداعاً كما أن الرقابة لا تزال أكثر تشدداً اتجاه الدراما التلفزيونية لكونها تدخل كل البيوت و هذا يحدّ من قدرة المسلسل على طرح قضايا إشكالية و عميقة تطلع إليها السينما الجادة و الهامة دوماً و بالمحصلة يرث الفيلم عن المسلسل كل تلك الأعباء و يفقد طزاجته و دهشته و يأتي مقيّداً بشروط الإنتاج التلفزيوني و رغم النوايا الطيّبة التي وقفت وراء التجارب السابقة، و تقف اليوم وراء فيلم روز، و رغم ما حققته تلك الأفلام من حراك و مزاج سينمائي كنا، و لا نزال، في أمس الحاجة إليه إلا أن الأجدى اليوم، ما دام الطموح السينمائي حاضراً في أذهان بعض المنتجين، هو إنتاج أفلام سينمائية بمعايير حقيقية تُصنع للشاشة الكبيرة بما تفرضه من قضايا ملّحة و لغة سينمائية بليغة.


عمرو علي
2018 / 10 / 6