السبت، 1 أبريل 2017

قضايا السينما العربية في كتاب العربي!



جاء إصدار شهر يوليو 2013 من سلسلة كتاب "العربي" تحت عنوان "قضايا السينما العربية" و تم بين دفتيه تجميع مقالات وقعها نقاد و باحثون عرب خلال الفترة الممتدة بين أوائل التسعينيات وصولاً إلى نهاية العقد الأول من الألفية و بدايات "الزلازل" العربية فكان بذلك بمثابة استرجاع لماض قريب حمل أسئلته و هواجسه التي ما زال الكثير منها بلا إجابة إلى اليوم و إن كان الكتاب قد خصص العدد الأكبر من صفحاته للحديث عن السينما المصرية الأعرق عربياً فإنه لم يهمل،  بالمقابل، عبر مقالاته المنتقاة بعناية واقع سينمات عربية أخرى عانت و لا تزال من مآزق يبدو أنها بلا حلول بدءً من السينما التونسية التي كتب عنها "عدنان حسين" من خلال ثلاثة أفلام كانت حاضرة في أيام قرطاج السينمائية 2005  هي "الأمير" و "رقصة الريح" و "باب العرش" مروراً بالسينما السورية عبر مقال "خليل صويلح" حول سينما الموضوع و التي تطرقت لأحدث إنتاجات مؤسسة السينما السورية في نصف التسعينيات الأول ثم إلى مقالات "بشار إبراهيم" عن السينمات العراقية و الأردنية و الفلسطينية و التي ألقت ضوءً ساطعاً على تجربة "تعاونية عمّان للأفلام" و هي تجربة رائدة في تاريخ السينما الأردنية أطلقها المخرج "حازم بيطار" و أنتج من خلالها أفلاماً روائية قصيرة حجزت لنفسها أماكن و حصدت جوائز في العديد من المهرجانات العربية و رفدت سينما بلدها بدماء و رؤى مخرجين شباب حجز بعضهم مكانة سينمائية مرموقة في الأردن قبل أن يخبو الشعف الذي أثارته عقب سنوات قصيرة من إطلاقها مع تفرق عرابيها و هجرة مؤسسها  كما كشفت مقالة "بشار إبراهيم" عن تجارب تسجيلية أنجزها سينمائيون فلسطينيون خلال العقود الأخيرة وثقت جرائم الاحتلال في الأراضي العربية و فضحت همجيتها و زيف إدعاءاتها عبر منجز سينمائي ترعرع في كنف المقاومة الفلسطينية و أخلص لها و جاءت في نهاية الكتاب ثلاث مقالات تناولت جوانباً من السينما المصرية حيث كتب "يحيى فكري" عن المضحكون في السينما المصرية متناولاً علاقة السينما و الكوميديا و ارتباطهما بالواقع المصري منذ أيام "نجيب الريحاني" إلى "إسماعيل يس" و "فؤاد المهندس" وصولاً إلى "عادل إمام" و الكومديانات الجدد أما شرخ السينما المصرية الذي كتب عنه الناقد الراحل الأستاذ "رفيق الصبان" فكان نتاجاً طبيعياً لمقارنة أجراها بين سينما الموجة الجديدة التي قادها فرسان الواقعية من أمثال "محمد خان" و "خيري بشارة" و "داود عبد السيد" في الثمانينات و "سينما الشباب" التي ظهرت في النصف الثاني للعقد الأول من الألفية و لم يخلو المقال الذي جاء على هيئة استعراض لأحدث إنتاجات السينما المصرية في تلك الحقبة من أخطاء سببها عدم توخي الدقة في المعلومات كأن ينسب الكاتب فيلماً لمخرج أخر غير مخرجه الحقيقي و خلاصة القول أن هذا العدد من كتاب "العربي" يشكل بانوراما واسعة النطاق لواقع سينمانا العربية ضمن حقبة من أكثر حقباتها تعقيداً  و تبايناً في النتاجات و هو مرجع كاف للمهتمين بأحوال السينما العربية أو الراغبين بتتبع خطواتها و أخبارها في ماض لا يزال قريباً!


عمرو علي
14 / 2 / 2017

وداعاً أبو طارق.. وداعاً يا صديقي الكبير!

                            

في أيلول 2010 ذهبت إلى دبي للالتحاق بقسم الإعلام بالجامعة الأمريكية هناك و رغم أنني لم أقضِ في الإمارات أكثر من أربعين يوماً - حسمت خلالهم قراري بالعودة إلى دمشق و انتظار امتحانات قبول المعهد العالي للسينما بالقاهرة في العام التالي - إلا أنني عدت للشام ظافراً بصداقة بشار إبراهيم (أبو طارق) الذي تنزهت معه في دبي مول و ميركاتو و ميديا سيتي ثم رافقته خلال مهرجاني أبو ظبي و دمشق 2010 و هو الرجل الذي أرشدني في إحدى محادثاتنا الإلكترونية السابقة للقاءنا الشخصي إلى مركز فيديو القبس قرب بلدية الحجر الأسود و الذي كان يحتفظ بنسخ فيديو لأفلام سورية قديمة بذل أبا طارق جهداً كبيراً بأرشفتها و تحليلها في كتابه "سينما القطاع الخاص في سورية" و هو أبرز الكتب و الأبحاث - النادرة أصلاً – التي تناولت تجربة القطاع الخاص في السينما السورية و كان كتابه هذا مفتاحي للولوج لعالم هذه السينما المغلّف بالغموض و التجاهل و النسيان و للوقوف على تفاصيل تجربة فريدة ألممت بالكثير من وقائعها من خلال قراءات و متابعات و أحاديث مع روادها و الحقيقة أن جهود بشار إبراهيم في التوثيق استمرت حتى أيامه الأخيرة مواكباً نتاجات السينما السورية في مرحلتي ما قبل و ما بعد المأساة من وجهة نظر متفردة بموضوعيتها و تحيّزها للفن و للسينما و للغة الراقية القادرة على المخاطبة و التأثير و يتضح ذلك لأي متابع لمقالاته التي كتبها حول السينما السورية المستقلة خاصة تلك المنشورة في جريدة النور سنة 2006 أثناء انعقاد تظاهرة الوردة للسينما المستقلة و التي تناولت تجارب ورشة سينما أيلول و أفلام نضال حسن و حازم الحموي و كذلك مقالاته التي داوم على نشرها في عدة صحف و مجلات و مدونات إلكترونية و ربما كان أخرها ما كتبه عن الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية التي جمعتني به بعد ست سنوات لم ينقطع خلالها تواصلنا عبر الإنترنت حيث كان يتابع باهتمام من مكان إقامته بدبي ما أنجرته في تلك الفترة من أفلام روائية و تسجيلية قصيرة أخرها الغيبوبة و هو فيلمي للتخرج من المعهد و قد كتب عنه قبل فترة قصيرة مشيداً بصنعته الفنية الجيدة و مشيراً لثغرات تتصل بالفكرة و السيناريو كما كتب عن أفلام سورية أخرى كانت حاضرة في الأيام السينمائية مثل مزرعة الأبقار، جلد و منازل بلا أبواب.
في مطعم شعبي في شارع الحبيب بورقيبة بتونس التقيته للمرة للأخيرة و هو يطلب الغداء مستخدماً الإشارات و قد اعتقدت للوهلة الأولى أنه كان يمازح عامل المطعم على طريقته – و هو المشهور بمرحه و مزاجه الرائق – و عندما جلسنا إلى طاولة الغداء أدركت بأن السرطان قد تمكن من حنجرته و أنه كان قد استئصلها قبل فترة قصيرة - لم أكن أعلم بكل هذه المستجدات - و رغم ذلك فقد أخذنا فوراً بالتحدّث عبر الكتابة على الأيباد عن الأفلام المشاركة في المهرجان و عن قضايا تخص السينما السورية و العربية و عن حياتنا الشخصية أيضاً و على تلك الطاولة اتفقنا على لقاء جديد في مهرجان القاهرة إن استطاع استخراج تأشيرة تمكنه من الدخول لمصر و هو ما لم يحدث أبداً لأن عشقه لتلك البلد و لسينماها لم يشفع له عند أرباب البيروقراطية الرافضين لدخول الفلسطينيين - و السوريين - لأم الدنيا! 
كان لقائي الأخير ببشار إبراهيم قاسياً و مؤلماً رغم محاولاتي لإخفاء حزني و خيبتي من تدهور حالته الصحية و بين لقائي الأخير معه في تونس 2016 و لقاءنا الأول في دبي 2010 تعرفت على ناقد حقيقي على طريقة أندريه بازان و سمير فريد و غيرهم ممن نذروا حياتهم للسينما و للكتابة عن السينما بدافع عجيب من شغف و حب لهذا الفن و إن كان أبا طارق ناقداً فذاً فهو في المقابل مؤرخ سينمائي فريد من نوعه في السينما العربية - كتب الكثير عن السينما الفلسطينية و المصرية و العراقية و الأردنية - و غيابه اليوم هو غياب رؤية مميزة تابعت على مدى عقود السينما العربية و رفدت نتاجاتها بكتابات جادة و مجدية لن يقدر أحد على الإتيان بمثلها و غيابه هو أولاً و أخيراً خسارة للسينما السورية و للنقد السينمائي السوري الذي أضحى بلا أب يوجه دفته كبشار إبراهيم فمن يقدر على الكتابة عن السينما السورية مثل بشار إبراهيم؟

الرحمة لروح أبو طارق!
كل العزاء لطارق و ليلى و للعائلة الكريمة!

عمرو علي
31 / 3 / 2017