يقرر أبطال الفيلم الثلاثة السفر من قراهم في الصعيد بسبب يأسهم من الحياة هناك: فقدان فرص العمل، الفقر، الرغبة في تحسين مستوى المعيشة و لكنهم سرعان ما يواجهون الموت وجهاً لوجه في رحلة موت حقيقية مليئة بالمأسي و المشقات: اضطرارهم للسباحة مسافة نصف كيلو وصولاً إلى المركب المتهالكة، البرد الشديد، شح الطعام، ابتزاز رجال خفر السواحل الإيطالي و جشعهم و انتهاءً بغرق المركب في عرض البحر بسبب ثقب في المركبة حيث لا ينجو منهم إلا كل طويل عمر.
يرصد الفيلم تفاصيل الرحلة ضمن ديكور مقنع و عبر مشاهد جرافيكس جيدة الصنعة إلا أن الكاميرا لم تترفع عن مجرد الرصد "السياحي" لقضية العقد كما لم تكفّ الموسيقى و الفلاشباكات الكثيرة عن محاولة استفزاز مشاعر المشاهد و استجداء تعاطفه مع الأبطال المهزومين اللذين تركوا أهلهم و حبيباتهم و قراهم بحثاً عن برٍ ثان يلّبي طموحاتهم البسيطة في حياة كريمة بعد أن أوصدت الأبواب في وجوههم بسبب ما آلت إليه مصر الطيّبة و أهلها الأخيار فانتقل الجشع و العنف إلى المركب و انخرط البطل الشعبي البسيط و الجدع "سعيد" في مواجهة مع "فتوة" شرس حاول بسط نفوذه على زملاءه المهاجرين قبل أن يخضع الاثنان للسلطة الحقيقية و هي سلطة "القبطان" القادر على رميهم في البحر حيثما شاء و انطلاقاً من ذلك يمارس "سعيد" دوره "كسوبر مان" الرحلة الذي لا يتوانَ عن مساعدة أولاد بلده فيقدم المطوى لباحث عنها في تحدٍّ واضح للقبطان و يحاول جاهداً إنقاذ زميله من الغرق في الدور السفلي للمركب رغم الجراح التي تصيبه بسبب ذلك (مشهد يذكرنا بأحد المشاهد الشهيرة في "تايتانيك") و يرافق الفتى العاجز عن السباحة في رحلتهما بين الأمواج العاتية قبل أن يستلقي جسده المنهك على رمال الشاطئ الإيطالي في مشهد النهاية.
الثابت أن قضية المهاجرين عبر البحر تستحق معالجة أكثر عمقاً و تفهماً و روية فالمأساة أكبر من أن يحاك لها فيلم صُنع بميزانية سعت لإنجاز "نصف تايتانيك مصري" لم يخلو من لقطات و مشاهد منسوخة عن الفيلم الشهير: طريقة غرق المركب، مشهد محاولة "سعيد" إنقاذ صديقه، لقطات الغرق في البحر و الأكيد أيضاً أن هذه الشخصيات تستحق صوراً أخرى تسمو عن جعلها محض أنماط طيّبة أو جشعة أو شريرة كما أن الرحلة ذاتها تستأهل معالجة أخرى لا تنم عن محاولة بيّنة لإستغلال "العقبات" لمجرد ضرورات الدراما الرامية لصناعة فيلم مشوّق و فرجة بصرية ممتعة لا تنتصر للقضية أو الأبطال بقدر ما تستغل ملامسة بسيطة لسطح ذواتهم المعلوم للجميع لصنع فيلم يدر الفلوس!
ألم يسبق الواقع هذا الفيلم بعدة خطوات إلى الأمام؟
عمرو علي
30 / 11 / 2016
30 / 11 / 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق