الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

السينما المصرية الجديدة: أين افلام معهد السينما؟





لا شك أن السينما المصرية مرت خلال أحداث يناير و يونيو و ما بعدهما بفترة ركود تجلّت بإنخفاض وتيرة الإنتاج و إنحسار الجمهور و تقلّص المشاركة في المهرجانات رغم أن واحدة من النتائج الإيجابية للحركات الشعبية كانت انفتاح المهرجانات على السينما الشابة الجديدة و احتضانها لنتاجات شباب وضعوا أسمائهم على خارطة السينما العربية عبر أفلام حصدت جوائز و أثارت جدلاً نقدياً ملحوظاً فمنذ "الشتا اللي فات 2011" وصولاً إلى "علي معزة و إبراهيم 2016" ظهرت أفلام أولى و كثيرة لمخرجين "مستقلين" لا ينتمي جلّهم لمنظومة السينما التقليدية و لا لمعهد السينما - الذي جددّ عبر عقود دماء السينما بدفعات من مخرجين و تقنيين – فقد شهدت دورة الإسكندرية 2014 عرض و فوز "بعد الحب" لمحمد نادر بجائزة العمل الأول و في دورة القاهرة للسنة ذاتها عُرض "باب الوداع" لكريم حنفي الحائز على عشرة جوائز حتى الآن قبل أن يُعرض تجارياً في سينما زاوية و بعد ذلك بسنة احتضن مهرجان القاهرة عرض "في يوم" لكريم شعبان – حالياً في زاوية – و التسجيلي "هدية من الماضي" لكوثر يونس – يعُرض في زاوية أيضاً – و منذ أشهر قليلة بدأ الحديث عن "لحظات انتحارية" لإيمان النجار – تنويه من لجنة تحكيم القاهرة الفائت - و "أخضر يابس" لمحمد حماد – حالياً في دبي - و "علي معزة" لشريف البنداري الذي كان معيداً على دفعتي في المعهد و خصّص أكثر من محاضرة للحديث عن تجربته مع جهات الدعم و مؤسسات المنح و آلية التعامل مع المهرجانات خاصة خلال سعيه لحشد أطراف تمويل كثيرة لشريطيه: القصير "حار جاف صيفاً" و الطويل "علي معزة" – افتتح بالأمس في مهرجان دبي – و قد ظهرت هذه الأفلام بالتزامن مع أفلام أخرى لأساتذة كبار أهمها: "بعد الموقعة"، "فتاة المصنع"، "قدرات غير عادية" و أخرها "إشتباك" و الظاهرة الملفتة هي الغياب الشبه تام لأفلام معهد السينما من المحافل و المهرجانات العربية هذه السنة بإستثناء أفلام قليلة هي: "فتحي لا يعيش هنا" لماجد نادر و إنتاج "حصّالة" و الذي كان حاضراً في مهرجان القاهرة الفائت و التسجيلي "عين الحياة" لوفاء حسين – تنويه من لجنة تحكيم قرطاج الفائت – و فيلمي "الغيبوبة" – ست مشاركات و جائزة أفضل فيلم قصير من روتردام للفيلم العربي – إلى جانب الروائي الطويل "علي معزة" و الروائي القصير "الرحلة الأخيرة" لأبانوب نبيل.
عرضت المنتجة "ماريان خوري" خلال اجتماعنا كطلبة معها قبل سنة استعدادها لتنظيم عرض تجاري في "زاوية" لأفلام المعهد الروائية و التسجيلية و لم يثر هذا العرض حماسة أحد سوايّ كما كانت و ما تزال تقدم كل سنة دعماً للأفلام من خلال منحة "يوسف شاهين" التي استفدت منها في تغطية تكاليف إنتاج "الغيبوبة" و رغم ذلك ما يزال طلبة كثيرون يصرّون على تأجيل تصوير أفلامهم لسنوات و سنوات بحجّة عدم توفر دعم للإنتاج سواء من إدارة المعهد أو من شركات أخرى و الغريب أن أفلاماً كثيرة عرضت خلال ندوات التحكيم ضمن المعهد سرعان ما اختفت بعد ذلك لتصبح أسيرة المكاتب و حواسيب المخرجين الشخصية مثل "فوق" لأحمد فستق و "خليل" لإسلام شامل و أفلام أخرى سواهما رغم أن مستواها الفني يتفوق على أفلام قصيرة شاهدتها خلال رحلتي في مهرجانيّ القاهرة و قرطاج و الأكيد أن مخرجي هذه الأفلام و طلبة المعهد عموماً يتحملون مسؤولية التقصير في إنتاج أفلامهم و تسويقها و عرضها فالحجج التي تتعلق بالظروف و المزاج العام و عدم توفر الداعمين لا تصمد طويلاً خاصة عندما نتابع إنتاجات سينمائيين شغفوين قادمين من مدارس و خلفيات أخرى و نسعد لنجاحهم و حضورهم المشرّف على أمل أن تحقق أفلام طلبة المعهد حضوراً موازياً ينتشل إبداعهم من الركود!

عمرو علي
13 / 12 / 2016

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

البر الثاني: نصف تايتانيك مصري؟


أثار "البر التاني" ضجة طالما أثارتها أفلام مصرية عرضت كجزء من المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة خلال السنوات الأخيرة و السبب وراء ذلك هو اتهام بعض المتابعين و النقاد للمهرجان لقبوله أفلاماً تجارية بينما تحرم أفلام أكثر أهمية من المشاركة و قد تفاقم الخلاف هذه السنة بعد استبعاد "أخر أيام المدينة" من المهرجان لأسباب واهية و بعد أن شهد افتتاح "البر التاني" في المسرح الكبير ظواهر لم تشهدها عروض الأفلام الأخرى من استئجار "بودي جاردز" خاص لتنظيم العرض و منع بعض الصحفيين من الحضور و احتكار العدد الأكبر من التذاكر لصالح ضيوف المنتج و وضع إستاندات كبيرة على مدخل المسرح تحمل بوسترات و صور الفيلم كنوع من الدعاية. شاهدت الفيلم في سينما "ميترو" بوسط البلد بعد انتهاء المهرجان و بدا واضحاً أن صنّاعه استغلوا قضية الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر لصناعة فيلم بميزانية كبيرة قياساً للأفلام في الآونة الأخيرة (تم تصوير جزء من الفيلم في إسبانيا و الاستعانة بفريق تقني و فنيين إسبان لتنفيذ الجرافيكس).
يقرر أبطال الفيلم الثلاثة السفر من قراهم في الصعيد بسبب يأسهم من الحياة هناك: فقدان فرص العمل، الفقر، الرغبة في تحسين مستوى المعيشة و لكنهم سرعان ما يواجهون الموت وجهاً لوجه في رحلة موت حقيقية مليئة بالمأسي و المشقات: اضطرارهم للسباحة مسافة نصف كيلو وصولاً إلى المركب المتهالكة، البرد الشديد، شح الطعام، ابتزاز رجال خفر السواحل الإيطالي و جشعهم و انتهاءً بغرق المركب في عرض البحر بسبب ثقب في المركبة حيث لا ينجو منهم إلا كل طويل عمر.
يرصد الفيلم تفاصيل الرحلة ضمن ديكور مقنع و عبر مشاهد جرافيكس جيدة الصنعة إلا أن الكاميرا لم تترفع عن مجرد الرصد "السياحي" لقضية العقد كما لم تكفّ الموسيقى و الفلاشباكات الكثيرة عن محاولة استفزاز مشاعر المشاهد و استجداء تعاطفه مع الأبطال المهزومين اللذين تركوا أهلهم و حبيباتهم و قراهم بحثاً عن برٍ ثان يلّبي طموحاتهم البسيطة في حياة كريمة بعد أن أوصدت الأبواب في وجوههم بسبب ما آلت إليه مصر الطيّبة و أهلها الأخيار فانتقل الجشع و العنف إلى المركب و انخرط البطل الشعبي البسيط و الجدع "سعيد" في مواجهة مع "فتوة" شرس حاول بسط نفوذه على زملاءه المهاجرين قبل أن يخضع الاثنان للسلطة الحقيقية و هي سلطة "القبطان" القادر على رميهم في البحر حيثما شاء و انطلاقاً من ذلك يمارس "سعيد" دوره "كسوبر مان" الرحلة الذي لا يتوانَ عن مساعدة أولاد بلده فيقدم المطوى لباحث عنها في تحدٍّ واضح للقبطان و يحاول جاهداً إنقاذ زميله من الغرق في الدور السفلي للمركب رغم الجراح التي تصيبه بسبب ذلك (مشهد يذكرنا بأحد المشاهد الشهيرة في "تايتانيك") و يرافق الفتى العاجز عن السباحة في رحلتهما بين الأمواج العاتية قبل أن يستلقي جسده المنهك على رمال الشاطئ الإيطالي في مشهد النهاية.
الثابت أن قضية المهاجرين عبر البحر تستحق معالجة أكثر عمقاً و تفهماً و روية فالمأساة أكبر من أن يحاك لها فيلم صُنع بميزانية سعت لإنجاز "نصف تايتانيك مصري" لم يخلو من لقطات و مشاهد منسوخة عن الفيلم الشهير: طريقة غرق المركب، مشهد محاولة "سعيد" إنقاذ صديقه، لقطات الغرق في البحر و الأكيد أيضاً أن هذه الشخصيات تستحق صوراً أخرى تسمو عن جعلها محض أنماط طيّبة أو جشعة أو شريرة كما أن الرحلة ذاتها تستأهل معالجة أخرى لا تنم عن محاولة بيّنة لإستغلال "العقبات" لمجرد ضرورات الدراما الرامية لصناعة فيلم مشوّق و فرجة بصرية ممتعة لا تنتصر للقضية أو الأبطال بقدر ما تستغل ملامسة بسيطة لسطح ذواتهم المعلوم للجميع لصنع فيلم يدر الفلوس!
ألم يسبق الواقع هذا الفيلم بعدة خطوات إلى الأمام؟

عمرو علي
30 / 11 / 2016